د.عبدالله بن موسى الطاير
هل مُنيت أمريكا بهزيمة ساحقة في مجلس الأمن بامتناع 11 عضواً عن التصويت من بينهم فرنسا وألمانيا وبريطانيا، ولم يصوّت لصالح مشروع القرار بتمديد حظر السلاح على إيران سواها وجمهورية الدومينكان؟ يجيب عن السؤال الرئيس الإيراني بتأكيده أن أمريكا «مُنيت بهزيمة مخزية في مجلس الأمن».
المنطق يقول غير ذلك، فالذي مُني بالهزيمة في مجلس الأمن ليس الولايات المتحدة الأمريكية وإنما إدارة الرئيس ترامب. وحتى هذه الإدارة ما كان لها أن تتعرَّض لهكذا إهانة من حلفائها لو أن القرار قدّم في شهر فبراير القادم. حلفاء أمريكا الغربيون: بريطانيا وفرنسا وألمانيا، لا يريدون اتخاذ مواقف سياسية قبيل انتخابات رئاسية، ويأملون بفوز الديمقراطي جو بايدن بالرئاسة لتعود الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاتفاق النووي الذي أبرم مع إيران عام 2015م، وأخرج الرئيس ترامب أمريكا منه، بدلاً من توسيع الهوة بإعادة فرض العقوبات على إيران.
مؤسف أن الدماء التي تسيل في منطقتنا العربية في العراق ولبنان وسوريا واليمن، وحول العالم جراء تمويل ولاية الفقيه للإرهاب الدولي، لا تعني شيئاً للأوربيين، بل الأشد أسفاً أن تجبن تلك الدول عن الإشارة بوضوح إلى دور إيران في تخريب هذه المنطقة من العالم، بل تتواصل دول مثل فرنسا مع واجهات الحرس الثوري في لبنان وتستجدي حزب الله أن يساعد المشروع الفرنسي لإعادة ترتيب أوراق لبنان، بدلاً من العمل على إنهاء وجود قاعدة الإرهاب العالمية الأولى ومنذ عام 1982م حين كان الجنود الفرنسيون والغربيون بواكير ضحايا تدشين الحزب أولى عملياته الإرهابية.
وعلى نحو متصل فلست في واقع الأمر واثقاً من رغبة الأمريكيين في تحجيم التدخلات الإيرانية، ولجم حزب الله، فسقوط 300 جندي أمريكي في لبنان على يد حزب الله منذ نحو 40 عاماً لم يدفع أمريكا لاتخاذ إجراءات رادعة ضده. كما أن مشاركة الحزب المباشرة في تفجيرات أبراج الخبر، ودعمه القاعدة في تفجيرات السفارات الأمريكية في إفريقيا، وإسهام حزب الله وبخاصة عماد مغنية والحرس الثوري الإيراني في المساعدة اللوجستية والتدريبية لتنظيم القاعدة في تفجيرات 11 سبتمبر 2001، ومن ثم إيواء قيادات التنظيم لم تدفع بقرارات حازمة ضد الحزب أو الحرس الثوري حتى جاء الرئيس ترامب، الذي يبحث عن صفقة، ويتصرف خارج تفكير المؤسسات الأمريكية بقتله سليماني، وفرضه عقوبات غير مسبوقة في شدتها على نظام الملالي. ولكن، هل يفعل الرئيس ترامب ذلك من أجل السلم والأمن في المنطقة والعالم أم من أجل مجده الذاتي ليُقال بأنه قام بتركيع إيران؟
لا يختلف اثنان على أن الرئيس ترامب غير مدرك لطبيعة نظام ولاية الفقيه، وأن هذا النظام لو تخلى عن تصدير الإرهاب لجيرانه فسوف يسقط في الداخل، ولذلك فإننا لن نر في يوم من الأيام الرئيس ترامب والمرشد العام علي خامنئي على طاولة واحدة يوقِّعان اتفاقية سلام. هذا لن يحصل، وإن كنا قد نرى أدوات النظام المنتخبة على عينه تفعل ذلك، وفي يقيني أن الرئيس ترامب سيرضى بتوقيع صوري مع وزير خارجية إيران وليس رئيسها المنتخب.
إدارة الرئيس ترامب وبكل ثقة عازمة على إعادة حزمة العقوبات الدولية على إيران، فبعد يوم واحد فقط من رفض مجلس الأمن الدولي محاولة أميركية لتمديد حظر السلاح على إيران، صرح الرئيس الأمريكي قائلاً: «سنقوم بإعادة فرض العقوبات. سترون ذلك الأسبوع المقبل»، وفوراً أرسل الوزير بومبيو رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة وإلى رئيس مجلس الأمن (المندوب الإندونيسي) أو ضح فيها أن بلاده «لن تسمح أبدًا لأكبر دولة راعية للإرهاب في العالم بشراء وبيع الطائرات والدبابات والصواريخ وأنواع أخرى من الأسلحة التقليدية ... (أو) امتلاك سلاح نووي». واتهم في تصريحات صحفية فرنسا وألمانيا وبريطانيا بأنهم «اختاروا الوقوف إلى جانب آيات الله». واصفاً ذلك الموقف بأنه يعرّض «شعب العراق واليمن ولبنان وسوريا ومواطنيهم أيضًا» للخطر. ومع كل الحماس الأمريكي فإن إقرار مجلس الأمن قراراً بإعادة فرض العقوبات يبدو مستحيلاً، لكن أمريكا تستطيع فرضه بكفاءة ومن طرف واحد وستذعن دول العالم. الغضبة الأمريكية تأتي استجابة لوعد انتخابي التزم به الرئيس الأمريكي وهو توقيع اتفاق مع إيران خلال شهر أو حتى أسبوع واحد من إعادة انتخابه. هذا الوعد ليس واقعياً، ولا يمكن تنفيذه في ظل نظام ولاية الفقيه المبني بطريقة معقدة للغاية، ولكن ضعف معلومات الرئيس تجعله يتعامل مع إيران كتعامله مع كوريا الشمالية أو الصين.