عمر إبراهيم الرشيد
لكل حضارة تقويمها الذي تعتز به؛ فالأمم المتحضرة وضعت لها تقويمات حسب حركة الأجرام السماوية، لكن تلك التقاويم نتاج للفكر الديني وثقافات تلك الشعوب وتاريخها؛ فهناك التقويم الصيني والبابلي والفرعوني، وهناك التقويم الميلادي المرتبط بمولد المسيح عيسى عليه الصلاة والسلام، والتقويم العربي القديم الذي جدده الفاروق عمر - رضي الله عنه - باعتماد الهجرة النبوية المجيدة تقويمًا أساسيًّا للحضارة العربية الإسلامية، وإلى يومنا هذا.
وقد هلّ علينا هلال العام الهجري المجيد بذكراه العطرة والراسخة في وجدان المسلين في أنحاء العالم كافة، لكنه يمرّ بكل هدوء، بل قد لا ينتبه لدخوله الملايين. والأسباب حضارية بالطبع، ومن بينها عدم ربط دخول العام الهجري بما يعزز مكانته لدى الجماهير. ويحمد لجمهورية مصر العربية منح إجازة للقطاعين العام والخاص يوم الأول من محرم؛ فليت جميع الدول الإسلامية تحذو حذوها بالنظر للتأثير الإيجابي لمثل تلك الإجازة في ترسيخ مكانة التاريخ الهجري المجيد؛ فالكل يعلم مدى الاحتفالات الصاخبة التي تعم العالم بمناسبة دخول العام الميلادي، فلِمَ لا يكون احتفالنا بالعام الهجري الجديد بطريقتنا الحضارية الخاصة؟ ولعل من بين تلك الوسائل - وهذا اقتراح أطرحه هنا - تخصيص جائزة للدولة للتميز في مختلف القطاعات والمهن في الطب والأعمال والتعليم والهندسة والاختراعات وغيرها، إلى جانب العمل الإنساني والمواطن المتميز، وكذلك المقيم المتميز؛ فلمثل هذه الجوائز عاملها التحفيزي وقدح شرارة الإبداع لدى الجمهور بمختلف فئاته وأعماره، فيكون إعلانها في أواخر شهر ذي الحجة، ومنحها يوم الأول من محرم بداية العام الهجري الجديد؛ فيتحقق بذلك الكثير من المكتسبات والمزايا حضاريًّا ووطنيًّا. ويعلم القراء الكرام ما للتحفيز من تأثير في السلوك والعمل. ولو تمعنا في كتاب الله الكريم لوجدنا هذا المعنى في وصف الجنة وجزاء الإحسان والعمل الصالح من الآيات والأحاديث النبوية المحفزة بما يصعب حصرها وإن لم يستحل. وترى أن كبريات الشركات والكيانات الاقتصادية في العالم تولي مسألة التحفيز أكبر اهتماماتها، وتخصص لها بندًّا خاصًّا في ميزانياتها. إضافة إلى ذلك، فإن في منح الجوائز المقترحة بداية العام الهجري ما يعطي الباقين حافزًا كبيرًا بما لديهم من القدرة والرغبة، ولكنهم بحاجة إلى دافع يخرج طاقاتهم الكامنة على اعتبار أن لديهم الفرصة في عام كامل للفوز بالجائزة القادمة؛ فتشيع لدينا ثقافة الابتكار والإبداع والإنجاز في المجالات كافة.
التقويم الهجري المجيد سيظل خالدًا لارتباطه بعباداتنا وشعائرنا الإسلامية، وكذلك مكانته في وجداننا، وارتباطه بتاريخنا العربي القديم والحديث. وإن كان التقويم الميلادي قد طغى دوليًّا - وهذه حقيقة بالنظر لارتباطه بالتعاملات المالية والسياسية والاقتصادية على مستوى العالم أجمع - إلا أن التقويم الهجري له الحق علينا في منحه الاحتفاء اللائق به. وكل عام وأنتم بخير.