د. محمد بن يحيى الفال
أسابيع معدودة تعد على أصابع اليدين تفصلنا عن موعد يوم الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2020، اليوم الذي يقع تاريخياً في اليوم التالي لأول يوم اثنين من شهر نوفمبر والذي يصادف في هذه الانتخابات القادمة يوم الثلاثاء الثالث من شهر نوفمبر. لا يختلف اثنان بأنها ستكون انتخابات غير مسبوقة في جميع تفاصيلها سواء كان ذلك في حجم التغطية الإعلامية التي ستسلط عليها في داخل وخارج الولايات المتحدة، مروراً بالمناظرات التلفزيونية بين كل من المرشحين الرئاسيين ونائبيهما، وبتوقعات بنسبة مشاركة تاريخية بعدد الذين من المتوقّع بأن يدلوا بأصواتهم، ولن ينتهي الأمر هنا، بل التوقعات تشير إلى سجالات أخرى محتملة قد تأخذ وقتاً من الزمن وذلك بعد الإعلان رسمياً عن اسم المرشح الفائز بها، وهل سيكون لفترة رئاسية ثانية الرئيس الجمهوري الحالي دونالد ترامب أو منافسه على المنصب، مرشح الحزب الديموقراطي جو بايدن.
ومع بدء انطلاق فعاليات مؤتمر الحزب الديموقراطي في مدينة ميلووكي بولاية ويسكنسن لإعلان ترشيح بايدن رسمياً عن الحزب لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة مع كامالا هاريس كنائبة له، سينظم كذلك الحزب الجمهوري مؤتمره العام في مدينة شارلوت بولاية كارولاينا الشمالية وذلك في الأسبوع الأخير من شهر أغسطس الجاري للإعلان رسمياً عن ترشيح الحزب للرئيس لولاية ثانية مع نائبه مايك بنس، عليه فقد بدأ فعلياً السباق المحموم لانتخابات رئاسية أمريكية غاية في الإثارة والشدة لن يشهد لها مثيل التاريخ السياسي الأمريكي الحديث. ومع السباق الرئاسي وحدته تأتي استطلاعات الرأي التي تعد واحدة من أهم المؤشرات التي يُعتد بها لمعرفة تقدّم المنافسين نحو كرسي الرئاسة والتي أكد أحدها والذي صدر مؤخراً من شبكة سي إن إن الإخبارية الأمريكية بأن الفارق بين كل من ترامب وبايدن بدأ يضيق لصالح الرئيس ترامب ولعل المفارقة هنا بأن الرئيس ما انفك ينعت الشبكة الإخبارية الأمريكية بأنها محطة الأخبار الزائفة. المناظرات التلفزيونية المرتقبة بين كل من الرئيس ترامب وبايدن وكذلك بين كل من نائب الرئيس مايك بنس والمرشحة لمنصب نائب الرئيس على تذكرة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس، ينظر إليها بأنها ستكون المحرك المحوري لقرار الاختيار من قبل الناخب الأمريكي لتقرير الأنسب في تولي دفة قيادة البلاد في زمن انتشار فيروس كورونا والذي قوَّض بشكل كبير وغير مسبوق الاقتصاد الأمريكي وجعل الملايين من الأمريكيين عاطلين عن العمل وفي حاجة ملحة لمعونات ستكون فاتورتها النهائية بتريليونات الدولارات. مبدئياً ومن خلال التجارب السابقة يتضح أن الرئيس ترامب لديه مقدرة تفوق منافسه بايدن في الوصول لعقل الناخب الأمريكي وهو الأمر الذي يتفوَّق به الرئيس فهو يعرف تماماً كيف يضرب على الوتر الحساس الذي يهم الناخب الأمريكي وهو بكل تأكيد العامل الاقتصادي وهو الأمر الذي سيكون من السهل على الرئيس ترامب تنفيذه وبتفوق خصوصاً والجميع متأثر من تداعيات كارثية على كافة نواحي الاقتصاد الأمريكي بسبب تفشي جائحة كورونا. ومن هذا المنطلق فقد بدأ الرئيس ترامب العزف على هذا الوتر مبكراً مؤكداً أن غالبية الأمهات في الضواحي على امتداد الولايات المتحدة والذين يشكلون قاعدة انتخابية ضخمة لأي رئيس مرتقب سوف يصوتون له لكونه سيضع تعزيز الأمن ودور الشرطة في حماية الممتلكات العامة والخاصة على رس هرم اهتماماته، خصوصاً مع التخوف من زيادة الجرائم في خضم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن الجائحة الكونية. من المؤكد أن بايدن لن تكون لديه القدرة على الوصول إلى قلب الناخب الأمريكي فيما يخص الوضع الاقتصادي كما هو الحال مع مقدرة الرئيس ترامب والذي يتفوق عليه في هذا لمجال وهو الأمر الذي يبدو أن بايدن فطن إليه وعالجه باختياره لكامالا هاريس نائباً له ليضرب عصفورين بحجر واحد بهذا الاختيار، فهي من أصول إفريقية وهندية مما يعني حصوله على تأييد واسع من قبل الناخبين الأمريكيين من أصول إفريقية ومن الأقليات الأخرى التي تشكِّل فسيفساء التنوّع العرقي الأمريكي، وهي كذلك متمرسة وخبيرة في كيفية إدارة النقاش والحوار والإقناع بالأدلة حيث شغلت منصب المدعي العام لمدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا ثم نائبة عامة لكل الولاية قبل أن تتولى منصبها الذي تشغله حالياً كسيناتور عن ولاية كاليفورنيا في مجلس الشيوخ الأمريكي.
بوادر حدة وشراسة سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة نراه في الانشقاقات غير المسبوقة في المشهد السياسي الأمريكي فهذا الجمهوري جون كاش حاكم ولاية أوهايو يعلن تأييده للديموقراطي بايدن معللاً ذلك بأن ولائه لوطنه أهم من ولائه للحزب الذي ينتمي إليه، وفي موقف آخر وجه مايلز تيلور الذي كان يشغل منصباً كبيراً في إدارة ترامب وهو رئيس موظفي وزارة الأمن القومي نقداً لاذعاً للرئيس متهمه بأنه طلب من مسؤولي الوزارة عدم تقديم مساعدات للمتضررين من الحرائق التي اجتاحت كاليفورنيا كون الولاية تصوت دوماً للحزب الديمقراطي، وهو الأمر الذي نكره الرئيس جملة وتفصيلاً وبأنه لا يعرف هذا المسؤول ولم يلتق به مطلقاً. الرئيس نفسه بدأ في سلسلة من التغريدات على حسابه في توتير منتقداً الكثير من المسؤولين الأمريكيين المنتقدين لسياسته ولقد نال حاكم ولاية نيويورك أندرو كومو قدراً كبيراً من هذا النقد، واتهمه الرئيس بأنه حاكم غير كفؤ ومنحرف ومرعب وبأنه تسبب في مقتل أكثر من 11 ألف شخص من نزلاء بيوت رعاية المسنين.
السجال الرئيس الذي من المتوقع أن يحرك جُل المناظرات السياسية بين المرشحين للانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة سينصب على جائحة كورونا والأضرار الجسيمة التي خلفتها على الاقتصاد الأمريكي، رأي ديموقراطي يقول إن الرئيس لم يدر دفة الأزمة بكفاءة ورأي جمهوري مضاد وهو بأن سعي الديموقراطيين لعزل الرئيس شغل الإدارة الأمريكية عن القيام بمهامها على الوجه الصحيح لمواجهة الجائحة في بداياتها الأولي. سيناريو الانتخابات الرئاسية الأمريكية في يوم الاقتراع الثلاثاء الثالث من نوفمبر القادم سترمي جائحة كورونا ظلالها عليه بكل تفاصيلها النفسية، الاجتماعية، الإنسانية وقطعاً الاقتصادية التي كانت وما زالت المحرك الأساس للناخب الأمريكي عندما يقف ليدلي بصوته عند صندوق الاقتراع.