بين حين وآخر إذا استطعت اجتزاء شيء من وقت فراغي لأتجول في بعض خربشاتي التي كنت أدونها ولم أكن أتوقع في يوم من الأيام أن تزعج أحداً فهي مجرد أطروحات شخصية من حياتنا العامة التي كانت وما زالت رصيد أزعم أنه جيدٌ إلى حدٍ ما بالنسبة لي على الأقل وخصوصاً أنها تمثّلني ولا أدعي أنها تمثّل جيلي أو المراحل العمرية التي مررت بها بما فيها من خلفيات اجتماعية أراها الآن أمامي وكأنها حلم أشبه بالمستحيل فمن (المحرم الصغير) الذي كنت أسخر فيه من مجتمع كان يحرم أم بكامل أهليتها من السفر وحدها أو مراجعة بعض الدوائر الحكومية إلا بوجود محرم ذكر حتى وإن كان هذا الذكر هو طفل حملته في بطنها تسعة أشهر ليكون عوناً وسنداً لها وليس وصياً يحدد إقامتها ويقرّر مصيرها ومصير شقيقته الأكبر منه هذا فقط لأنه ذكر ولأنها أنثى فمن مقال (المحرم الصغير) إلى مقال (شكراً وطني أصبحت امرأة لا جوهرة) وبينهما قُرابة ثمانية أعوام فما الذي تغير؟
دعوني أعود أكثر قليلاً من الثمانية أعوام فحين يعيش الإنسان بين ثقافة مجتمعين مختلفين أحدهما تتفوّق المرأة فيه ثقافياً لأنها متفوّقة اجتماعياً والآخر تتفوّق فيه المرأة اجتماعياً لأن مجتمعها متفوّق فكرياً لتكون في مرحلة زمنية قلَّ ممن هم في جيلي لا يذكرها وخصوصاً في المجتمع العسيري التهامي الذي كنت أتردد عليه بين الحين والآخر في الإجازات الصيفية ورغم صغر سني حينها إلا أنني كنت أتعجب حين أتجول مع والدي فيصادفنا طفل أو شاب في سألت والدي (ابن من أنت؟ فيرد الشاب بدون تحرج (أنا ابن فلانة). ألا يدل ذلك على مدى التقدير للمرأة في منطقة عسير وعلى مكانتها اجتماعياً في حين أن الكثيرات في الأجيال اللاحقة كن يختبئن خلف معرفات مستعارة للكتابة في المنتديات الثقافية والمواقع الإلكترونية خوفاً مما قد تتعرضن له من النيل من عرضهن وشرفهن وسمعة أهلهن باعتبار الكتابة الأدبية والفنية والشعرية رجساً من عمل الشيطان عليها اجتنابه
الآن. وبعد مرور كل هذه السنوات تقف المرأة في منطقة عسير شامخة كسرواتها مستحيلة كقلاعها الحصينة بعيدة آفاقها لتنظر بابتسامة وعينين تتقدان طموحاً لتلك المرحلة، بل لحلم أوشك ليكون حقيقة.. لتنظر المرأة في عسير لآفاق رحبة لمستقبلها ولتكون هي بيدها من ترسم خطتها القادمة بتفاؤل بعد أن حازت ثقة قيادتها الحكيمة ولتسبق أترابها في المناطق الأخرى في تحديد معوقات تحقيق تمكينها وتبحث أسبابها وحيثياتها وتشارك أمير منطقتها الطموح صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن طلال إستراتيجية تطوير الإنسان والمكان التي تعد المرأة ضمن نسيجه وشريكاً في تاريخه الإنساني والمادي الذي صنعته يد سيدات عسير وحفظته الوثائق وأكده الواقع، وخطوط أصابعها الناعمة خطّت على جدران حضارتها العمرانية خطوط الجمال بألوان الطبيعة تحمل سنابل القمح بعد أن نضجت تجربتها ونجحت في حيازة ثقة قيادتها لتجني حصاد سنواتها العجاف بعد أن ادخرت ما يشفع لها بما حققته من إنجازات محلية وعالمية فتصدرت المرأة السعودية بإنجازاتها المنصات الدولية وبالتأكيد لن يكون سقف تطلعاتها عادياً ومعتاداً فما حازته من ثقة يجعلها أكثر إدراكاً لمتطلبات المرحلة التنموية القادمة لهذا كانت آفاق المرأة في منطقة عسير نافذة تطل منها على مستقبلها ولتستوعب فيه تطلعات الأجيال القادمة، بانطباع مختلف وببعد آخر يلبي احتياجات المرأة في منطقة عسير ليكون -بإذن الله - نموذج كتجربة ناجحة في المناسبات العالمية.