د. محمد عبدالله الخازم
تعريف الأخلاق أو الأخلاقي قد يختلف أحياناً في جوانب صغيرة وفق البيئة والأشخاص والثقافة، وكذلك القيم حجم التقدير لها قد يتباين وفق طبيعة المجتمعات وخلفياتها الثقافية والحضارية. في مجتمعنا لا يفرّقون بين العمل الذي تقدّمه لنفسك كعبادة أو تعامل وبين القيمة الأخلاقية في التعامل مع الآخرين، فقد يعتبرون شخصاً ما رجلاً خلوقاً لأن ملتح أو لأنه يخاطب الناس بابتسامة، أو يعتبرون المرأة صالحة لمجرد أنها تلتزم بلبس معين أو تعمل في مجال محدد، أو يعتبرون من يتحدث بلغة أجنبية متنوراً ... إلخ.
هذه سمات شخصية؛ دين الإنسان ونظرته لنفسه وطريقة حديثه وكيفية تقديم نفسه للعالم، وليست الأهم في تصنيف الناس. ما يهم هو القيم الأخلاقية، التي تتعدى في تطبيقها ذاتك إلى الغير، مجتمعاً كان أو فرداً أو منظمةً أو بلداً، مثل قيم العدالة والنزاهة والالتزام بالنظام وحفظ المال العام وتقدير الآخر وقبول الرأي الآخر ... إلخ. بمعنى آخر، القيمة الأخلاقية هي الأهم لأنها ممارسة متعدية تبنيها يؤثّر على آخرين، على النظام، على المؤسسة، على المجتمع، على الوطن، على الإنسان، على الحيوان، على البيئة ... إلخ، بينما الأخلاق هي السمات التي يتميز بها الشخص وتخصه وحده.
في النظام الإداري يمكن الحكم بأن القائد لا يحمل القيم الأخلاقية عندما لا يقدِّر مفهوم العدل بين منسوبي المنظمة التي يديرها، عندما يتحايل على النظام وفق مبررات (براقماتية) مثل الغاية تبرر الوسيلة، عندما لا يقبل الرأي الآخر أو لا يستمع إليه، عندما يتلاعب أو يكذب بالتقارير والمخاطبات، عندما يقبل الهدايا من جهات لها مصالح لدى المؤسسة، عندما يكون منحازاً أو عنصرياً أو فئوياً في فكره واختياراته للقيادات المختلفة سواء للقبيلة أو المنطقة أو الأيدلوجيا أو المهنة، عندما يمنح الاستثناء لقريبه ويرفضه لغيره، عندما يحكم على قيم الناس من مجرد لبسهم أو طريقة كلامهم أو هيئتهم أو مهنتهم ...
بعض الأمور أعلاه من مظاهر الفساد، لكنني أتجنب مصطلح الفساد لضيق تعريفاته في مجتمعنا وحصره في الجانب المالي على الأرجح. القيم الأخلاقية تتأثر أو هي جزء من ثقافة ممتدة، أحياناً، حين تختلط بمفاهيم أو معايير ثقافية مثل النخوة والشهامة والرجولة ونصرة ابن العم وابن القبيلة وابن المهنة، وخلك ذيب وغيرها من مفاهيم تحول استخدامها من ميزة إيجابية إلى ممارسة سلبية. بعيداً عن الإسهاب، الفرق بين المتعلّم المدرك فكرياً وأخلاقيا وغيره يكمن في الوعي الكبير بتأثير الثقافة وتغلغها في أفعالنا اليومية وكيفية الاستفادة من قيمها الإيجابية وتنقية أفعالنا من شوائبها السلبية. الثقافة ليست مجرد ثقافة القبيلة أو المجتمع، فأحياناً تكون ثقافة مؤسسات/ منظمات تنمو ويسيطر عليها فكر ذو خصائص وهوية إدارية محددة تسود وغالباً ما يذوب الشخص فيها ويتطبع بطبائعها حتى لو لم يهدف إلى ذلك، لأن ما يحدث يكون بلا وعي. على قادتها ومنسوبيها مسؤولية أكبر في الوعي بالأبعاد القيمية وعدم الانجراف إلى ثقافة تتدنى فيها المعايير الأخلاقية.
ختاماً، أخلاقكم تخصكم وحدكم، أما القيم الأخلاقية فتخص الجميع. لا يعنيني كم هي سماتك الأخلاقية، بل ما تحمله من قيم أخلاقية.