د.عبدالعزيز العمر
الثقافة تقوم على عدة مرتكزات، ومن أبرز تلك المرتكزات كون المثقف يعلي من قيمة وشأن العقل، فهو لا يعترف بأي سلطة فوق سلطة العقل، وخصوصاً العقل النقدي، والعقل عند المثقف يبقى باحثاً عن الحقائق باستمرار، وليس مجرد خازن لها، وهو -أي المثقف- يعرف طرق ومنهجيات التحقق من صحة ومصداقية المعرفة (الاستنباط والاستقراء مثلاً)، والمثقف من جهة أخرى يقاتل من أجل رفع مستوى وعي الناس بالقضايا المحلية والكونية التي تشغلهم، كما أن المثقف لا يجرؤ على الادعاء بأنه يمتلك الحقيقة بمفرده، وهو- أي المثقف- يؤمن بأن العقل يتوقف عن العمل بمجرد أن نضع أمامه خطوطا حمراء تسلبه حرية التفكير، وفوق كل ذلك لدى المثقف الاستعداد أن يتنازل عن أي فكرة لديه متى ما ظهر له دليل عقلي على خطئها، في المقابل لا يقبل المثقف بأي فكرة لا يدعمها الدليل والحجة (أي الخرافات والأساطير)، أي أن المثقف غير يقيني، يوظف الشك للوصول إلى الحقيقة. وفي العموم المثقف صاحب رسالة إنسانية، يحلق دائماً في الفضاءات التالية: حقوق الإنسان والحرية والعدالة والتعددية في طرح الآراء والمساواة في الحقوق بين الناس أياً كان عرقهم ومذهبهم وجنسهم. المثقف ذو فكر مرن، فهو يكره الدوغمائية (الجمود)، وينبذ التبعية العمياء (مستقل في آرائه)، في مقابل ذلك يؤمن بأن التغير هو طبيعة الحياة، وبأنه لا يوجد في حياتنا الدنيوية شيء غير قابل للنقد، بما في ذلك العلم نفسه أوالحداثة أوحتى ما بعد الحداثة.. وأخيراً ليس للمثقف الحقيقي أتباع يحاول استرضاءهم على حساب مبادئه (كما هو الحال عند بعض الدعاة). كما أن المثقف لا يسترزق إطلاقاً من مواقفه أياً كانت (كما يفعل عطوان وشلته).