النفس البشرية دائمة التغيُّر والتجديد، والإنسان بطبعه يميل للثقة بنفسه وبقراراته، في حين من الممكن أن يكون العكس تمامًا؛ من الممكن أن تجد شخصًا مهزوز الشخصية, لا يستطيع, أو لا يعرف كيف يُقبل على قرار جديد, أو اختيار.
لكن السؤال هنا هو: على عاتق من تقع المسؤولية؟!!
لنرجع إلى بدايات تكوين شخصية هذا الإنسان. مَن المسؤول هنا عن هذه الأرض غير الصالحة لنمو الثقة؟ لا أريد توجيه الاتهامات بقدر ما أود الكشف عن هذا الجرح الغائر الذي قد لا نعرف أننا سبب في وجوده.
منذ فترة ليست بالكثيرة كنت أشاهد مسلسلاً أمريكيًّا، جاء فيه مشهد بين «ديلان» وأمه «نورما بيتس»، يقول فيه لها: «هل خطر ببالك يومًا أنك إن واصلت معاملة الأشخاص على أنهم ضعفاء فقد يكبت ذلك قوتهم؟». هذا سطر من مسلسل «Bates Motel»، بقي معي فترة طويلة، ولم أستطع أن أنساه.
ليس هناك شك في أن الحماية التي يقدمها الآباء لأبنائهم ما هي إلا شكل من أشكال المحبة, وأن هذا الخوف الذي يتنامى في صدورهم هو الخوف من رؤية الحزن والانكسار على أبنائهم, لكن تطويقهم بهذا الكم من الحذر سيكون وبالاً عليهم؛ إذ إنهم سيكونون محاطين دائمًا بالتوجس وعدم الأمان.
لا بد من تغيير نمط التربية، وبناء ركائز ثقة، يعتمد عليها الطفل. الخوف من الحزن والألم سيكون كابوسًا ملازمًا لكل الآباء, لكنه في النهاية كابوس سيمضي مثل أي أمر آخر؛ إذ إنه ليس من الصحي أبدًا أن يخطو الشخص خطوة إلى الأمام، ويتبعها بعشر خطوات إلى الوراء. وليس من الصحي أن يكون مترددًا في أن يفعل ما يحب, وأن يقاوم التجديد فقط لأنه يخافه.
في النهاية ما هو الخطأ؟
أليس الخطأ هو ما يوجهنا للصواب؟!! إن كان الخطأ بهذه العظمة أليس الحزن والألم يوازيانه؟! عندما يبني الابن أخطاءه فإنه في الوقت نفسه يبني طريقه الذي سيشقه، مع كل تجربة خاطئة يظهر جزء من الصواب؛ فالعلاقة بين الصواب والخطأ هي علاقة طردية بحتة؛ فلا يوجد خطأ من دون صواب، ولا يوجد صواب من دون خطأ.
أعتقد أن مجتمعنا مشوَّه من فرط الحماية؛ أجيال تربت على الخوف من الإقدام؛ الكثير من أبناء المجتمع وُلدوا وهم محاطون بالخوف من صناعة تجاربهم الخاصة. والمخيف حقًّا هو أن الكثير أيضًا منهم الآن آباء!
والحقيقة إن المسألة لا تقتصر على العائلة فقط؛ لأن هذه المشكلة تدور في بيوت كثيرة؛ فالطفل الذي كبر بات يماشي أصدقاء يعانون هذه العُقد نفسها, حتى إن حاول أن يغيّر من نفسه فإنه سيتراجع؛ ففي نهاية الأمر نحن نتأثر بمن هم حولنا, وقليل جدًّا من يستطيع المقاومة.
ختامًا..
أعتقد أن العالم بات ممتلئًا بالنسخ المكررة؛ فالمجتمعات تتشابه إلى حد كبير, وإن لم يكن تشابهًا مباشرًا.
من حق الطفل أن يكبر في بيئة تعطيه قدرًا من الحرية والثقة المتبادلة, أن يمنحوه الفرصة لبناء عالمه الخاص، والقدرة على مواجهة قراراته بنفسه, أن يُملئوه قوة وعزمًا على الإقدام على تجارب جديدة؛ لأن هذا العالم لا يحتمل التكرار.