ترددت كثيرًا قبل تسطير هذه الأحرف والكلمات التي قد لا ترقى إلى مستوى أن تسمى مقال إلا تجاوزًا, والسبب بسيط جدًا وهو انعدام خبرتي في الكتابة الصحفية وقلة المعرفة وهذان سببان أوردتهما من باب الحقيقة لا من باب التواضع وإنكار الذات.
ولئلا أطيل في التقدير والاعتذار سأباشر التحدث عن المذكرات التي شجعتني على الكتابة، فمن منطلق (رب ضارة نافعة) فمن منافع الظروف التي أوجدتها الجائحة بالنسبة لي أمر إعادة ترتيب جدول الوقت اليومي فخصصت وقتًا أطول لمكتبتي الشخصية المتواضعة في المنزل وأثناء تقليب ما استجد من كتب لوضعها في الرفوف المناسبة توقفت عند كتاب ألفه الدكتور المهندس صالح بن حسين العواجي عن مذكراته الشخصية وسماه (من حصاد الميدان.. تجارب - دروس - فوائد)، وباعتبار الدكتور صالح أخاً وصديقاً ورفيق درب وكما يقول البعض (بلديات) لأن كلانا من مدينة الرس بالقصيم فقد أكرمني باطلاعي على بعض فصول الكتاب قبل طباعته وخاصة الفصل الخامس عشر الذي سماه (من الخطوة الأولى مروراً بمفترقات الطرق) بدءًا بالطفولة ومرورًا بالنشأة وبدايات الدراسة ثم الزواج المبكر (كالعادة آنذاك) في جيلنا وجيله الذي تلا جيلنا مباشرة ثم التخرج من الجامعة وبدء العمل.
ولأنني أزعم بأنني من أصحاب الذاكرة التصويرية فقد انطبعت بعض الصفحات والعناوين بالذاكرة دون التوغل في التفاصيل التي وجدتني شغوفاً بمعرفتها فأعدت قراءة الكتب بتأني لأنه يتحدث عن جيل الدكتور صالح وكأنه لسان حال جيلنا السابق لجيله مباشرة دون تغيير يذكر من المحيط الاجتماعي والنشاط اليومي بنفس القيم والعادات.
ولقد وفق الدكتور صالح في تصوير مرحلة الطفولة واليفاع من مجتمعنا الصغير بالرس التي لا تختلف عن مثيلاتها من بقية مدن القصيم ومناطق مملكتنا الحبيبة بصفة عامة في مرحلة أقرب إلى أن تكون محكومة بالبراءة والصدق والشفافية خاصة لأمثاله ممن نشأوا أو عاشوا في المزارع بعيداً عن التلوث المناخي والأخلاقي بصدق مسيرة الطفل وبراءة المراهق ونضج الشباب مبكراً.
ولقد وفق الدكتور صالح في تبيان المشاركة الفعلية لمن نشأ مثل نشأته حيث يقوم بأعمال يدوية للمساعدة في رعاية المزرعة والدواب وجلب المنتجات لسوق المدينة التي لا تبعد عن المزرعة إلا بضع كيلو مترات ثم التنبه للتعليم وبأنه قدر محتوم للجميع لذا فقد أكمل المسيرة حتى أنهى مرحلة الدكتوراه في مجال تخصصه كمهندس، وبمجرد قراءة ما يتعلق بهذا الأمر من المذكرات حتى يخرج بتصور حقيقي وانطباع إيجابي عن مشاركة كل أعضاء المجتمع في الإنتاج والبناء ودعم الاقتصاد المحلي الذي يظل هو وأمثاله لبناته الحقيقيين أسوة بما هو الحال في كافة المجتمعات، وبعيدًا عن مقارنة جيل بآخر أو التفضيل لأن الظروف والمعطيات والمحيط مختلفة ولكن المذكرات تؤكد على أننا كمجتمع لم نأت من فراغ ولسنا متسلقين على جهود وأكتاف الآخرين وكأن طرفه ابن العبد ينظر لنا من خلال الغيب حيث قال:
فإن تبغني في حلقة القوم تلقني
وإن تقتنصني في الحوانيت تصطد
وبالطبع حوانيتنا حوانيت البيع والشراء وليست ما عناه طرفه من حوانيت اللهو والمتعة والاسترخاء.
أما التجربة العملية فقد تطرق لها الدكتور صالح من منظور مهني متخصص وهي تجربة ثرية بكل المقاييس حيث بدا متواضعًا في مجال تخصصه وانتهى في قمة الهرم فيما يتعلق بقطاع الكهرباء وهو قطاع حساس أشبه ما يكون بالماء والهواء.
وما أجمل التوقف عند تجربته في التعايش مع مجتمع تايوان (الصين الوطنية) أثناء مرحلة الدراسة وهو على رأس العمل مما يلقي الضوء على حقيقة تشابه المجتمعات الإنسانية وإن اختلفت اللغات والأجناس والمشارب فجميع المجتمعات لها قيم وأخلاق تحكمها وإن كان لنا تميز فهو من خلال ما أكرمنا الله به من نعمة الإسلام وتعاليمه وقيمه التي أنزلها الله في محكم التنزيل في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
ولذا عندما تهتز البوصلة نلجأ إلى تلك التعاليم الخالدة وكما يقال (إن تأتي متأخرًا خير من ألا تأتي مطلقًا) وقبل أن أختم أهيب بالقراء الكرام وخاصة النشء من شباب هذا الجيل الاطلاع على المذكرات لأن فيها فصول ووقفات تعيد الثقة بمن سبقنا من أجيال مجتمعنا وتصل ما انقطع من معلومات عن المسيرة الخيرة المستمرة خاصة في ظل التسارع في التحول الاجتماعي فالوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، وأهنئ الدكتور صالح على مسيرته العطرة وإنجازاته التي عرضها بأسلوب منهجي شيق غير تقليدي أقرب ما يكون إلى السهل الممتنع وأدعو له بالتوفيق والسداد.