شريفة الشملان
ماذا يعني الأمن الوطني؟
هذا السؤال كبير وواسع جدًّا. والأمن بمعناه الذي يتبادر للذهن هو أمن الحدود من التعديات على الوطن، سواء بمؤامرات على الداخل، أو حروب كبيرة ومناوشات من الخارج.. وما يسلب الكثير، سواء من مال وجهد، وفقدان أرواح، وتدمير للبنى التحتية.. هذا الذي يصعب عليّ الحديث عنه لأسباب، أولها عدم الاختصاص؛ فإنه بئر عميقة جدًّا. منذ أيام حرب العراق مع إيران وهناك الكثير من الخسائر المادية التي خسرها وطننا، وتداعياتها باقية حتى اللحظة، لكن الذي يهمني الآن: الأمن والسلام الذي نريده، أمن العلم والصحة في المقدمة، ومن ثم الأمن في كل مرفق من مرافق حياتنا، بمعنى تقوية الوطن من الداخل برجاله ونسائه.
لا شيء أهم من أمن التعليم. والتعليم هو أهم بند من بنود الحياة الحقيقية، كفلته الدولة بكل مراحله؛ فلها كل الامتنان. الدولة راعية للعلم في كل مجال؛ وهذا ما يجعلنا دائمًا نتطلع للأكثر. الجهل مُضر بكل مرافق الحياة، ويعيق عملية التقدم؛ فباب التقدم عادة لا يستطيع الجهلة عبوره.
يسألون (أنجيلا ميركل) مستشارة ألمانيا: لماذا كل هذا الإنفاق على التعليم؟ فردت عليهم: «إن ضريبة الجهل كبيرة».
الحديث يدور عن التعليم عن بُعد، وكيف سيكون، ومن أين تأتي الأسر التي تكافح لتجد قوت يومها بأجهزة الكمبيوترات لتلقي التعليم، خاصة عندما يكون عدد التلاميذ في البيت لا يقل عن أربعة كمتوسط.
ونأتي للأمر الثاني: أغلب الأسر ما بين متوسطي الحال إلى ضعافها. كيف يمكن أن توفر في البيت غرفًا، تكون آمنة للتعليم، إذا حسبنا أن المجلس في البيت قد يكون مكانًا لنوم اثنين من الأسرة؟
بيئة التعليم ليست فقط لإعطاء الدرس والمناقشة بين الأستاذ والطالب، بل هي عبارة عن جهاز متكامل من الأسرة التعليمية، والمبنى، والاحتكاك الاجتماعي، وتطوير العلاقات، والتعامل. البيئة الكاملة من مرافق، بما في ذلك المكان الرياضي الذي لا يمكن أن يكون افتراضيًّا.
لقد فرحنا كثيرًا كون سيدة هناك تسيّر شيئًا من دفة التعليم. إذا كنا نريد تعليمًا حقيقيًّا فالأولى أن يكون عودة له مع الأخذ باعتبارات التباعد والتعقيم المستمر، مع الكمامات وقياس الحرارة كل صباح. قد تكون المدارس غير كافية للتعليم المباشر؛ وهذا قد يضعنا في مأزق، لكن بقليل من التدابير يمكن تجاوز ذلك، كتقصير وقت الدوام المدرسي؛ فتكون المدرسة على دوامين، صباحي ينتهي؛ ليكون لطلبة آخرين دوام مسائي؛ وذلك لتحقيق التباعد أولاً، وكسب البيئة التعليمية وإن قَصُر وقتها.
لا أمن تعليميًّا ما لم تكن وزارة الصحة شريكة به. وقد أدت وزارة الصحة جهدًا كبيرًا، تُشكر عليه. وبكل تأكيد لا تريد ولا نريد ضياع جهدها؛ لذا نرى بإمكانها تجهيز فرق صحية للمرور على المدارس بين وقت وآخر للتأكد من الاحتياطات والفحص الميداني.
إن التشابك مع كل ما نقوله عن الأمن يجعل كل وزارة معنية به؛ فلا يمكن أن نؤسس لشباب أقوياء، يمدون الوطن بالأيدي العاملة القوية للرقي والمحافظة وتطوير اقتصاد البلد، دون أن يكونوا أصحاء عقلاً وبدنًا.
إذا رغبنا بشباب للمستقبل فإن التغذية الجيدة أساسية، فكيف يستوعب الدرس فتى جائع؟ وكيف يشد عوده ويقوى؟ هنا ننتقل للأمن الغذائي، هذا الذي يجب التفكير به جيدًا. ليس فقط الحرص على الإنتاج الزراعي والحيواني داخل الوطن، وتوافره، ولكن أيضًا لا بد من دراسة جيدة للأسعار؛ فالغلاء لم يعد أمره سهلاً.. وما تجمعه الدولة نتيجة للضريبة قد تخسره وزارة الصحة، وقد يخسره التعليم؛ لذا من باب أولى تُعاد دراسة الأسعار جيدًا؛ فلا يغرق رب الأسرة بديون لا يدري كيف يجدولها قبل أن يسددها، وهذا لا شك سيؤثر في صحته النفسية وطريقة معاملته لأسرته. وحتى لو فرضنا قامت الدولة بزيادة الرواتب، وبتشغيل العاطلين، سيبقى باب الغلاء واسعًا، يلتهم الكثير. وقبل ذلك أشدد على حليب الأطفال، وهو البنية الأصلية للجسم والعقل.
غلاء المعيشة إن كان صعبًا على موظفي الدولة والقطاع الخاص فلا شك هو أصعب على المتقاعدين؛ إذ لا بدلات ولا أمل بزيادات سنوية. إكرام كبار السن في أواخر أيامهم مهم جدًّا. وربما تتاح لي الفرصة لأكتب عن كبار السن في بعض البلدان المتقدمة.
أختم بحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من أصبح آمنًا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها».
ولوطننا أمن وأمان وخيرات تملأ كل أرجائه.