د. محمد بن إبراهيم الملحم
استكمل اليوم الحديث عن جانب من القضية الثالثة التي ناقشها تقرير منظمة أو إي سي دي OECD وهي ممارسات التقييم، حيث يرى أن الوقت الذي يستهلكه الطلاب في إجراء اختبارات ينبغي أن يعاد النظر فيه ويدرس بعناية وقد طالب مثلاً بإلغاء الاختبارات التي يجريها المشرفون التربويون ويكتفى بالتقييم التشخيصي فقط، وأكد على أن معايير المعلم المهنية الجديدة ينبغي أن تنص على إكساب المعلمين المعرفة الكافية حول التقييم ويكون ذلك لكل المستويات المهنية مع التأكيد على تقييم مهارات التعلّم الإدراكية العليا مع دعم ذلك ببرامج تدريب لكل المعلمين سواء قبل الخدمة أو أثناءها وقد استعرض التقرير عدداً من الجهود التقييمية على المستوى الوطني فذكر برنامج التقويم الوطني التابع لهيئة التقويم والذي يستهدف قياس تحصيل الطلاب، وما لدى وزارة التعليم، حيث تقوم بإعداد تقييم وطني يستهدف المحاسبية المدرسية، وكذلك التقييم الذي يقوم به الإشراف التربوي والذي يهدف إلى مراقبة الأداء التدريسي، ويرى التقرير ضرورة توحيد الجهود كأن يتم مثلاً توسيع نطاق برنامج التقويم الوطني لهيئة التقويم ليشمل أهداف التقييم الوطني لوزارة التعليم ويرى أن هذا هو دور الهيئة ومع ذلك فهي بحاجة إلى الدعم والمساندة من الأطراف الأخرى (وأظنه يقصد تعاون ودعم الوزارة).
كما تطرق التقرير إلى الاختبارات الوطنية التي تطبق على الطلاب بهدف القبول في الجامعات ويرى أنها اثنان وكل منهما ليس متسقاً بشكل كاف مع المنهج كما أنها لا تشمل كل المهارات وفي بعض الأحيان تبدو غير مترابطة داخلياً internally incoherent وفي نفس الوقت لاحظ التقرير أن نسب النجاح في هذه الاختبارات عالية جداً وهو ما يقلِّل من جدية الطلاب للتعلّم، وهذا التقييم يعني أن تلك الاختبارات سهلة وهو معاكس تماماً لادّعاء الرأي العام حول صعوبة هذه الاختبارات (قدرات الكمي والتحصيلي) وهو ما يعكس أن التقرير قارن هذه الاختبارات بمقياس الجودة العالمي الذي لم نصل إليه بعد فيما يبدو، لذا ينصح التقرير بإعادة النظر في الاختبارات الوطنية وتحسينها مع تكليف الخبراء بمراجعة الاختبارات الدولية المماثلة ونقل الخبرة.
كما لاحظنا من السرد المتقدم حول تقييم خبراء منظمة أو إي سي دي للتقييم في المملكة فإن عدم التكامل بين المؤسسات كان علامة ملحوظة لفتت الانتباه بسهولة، وهو الشأن الذي ينبغي أن تهتم به جميع هذه المؤسسات من خلال تكوين مجلس موحّد فيما بينها تتداول فيه جوانب التكامل وما يعلق من قضايا تحيله إلى جهة مرجعية مناسبة تحسم فيه القول، كما أن ملاحظات التقرير حول الاختبارات الوطنية جديرة بالتأمل وقمينة بالبحث والتمحيص من جميع الجوانب ليتسنى لمتخذي القرار توجيه الدفة نحو الطريق الأفضل لهذه الاختبارات المهمة.
ولعلي بمناسبة هذا الحديث وتزامنه مع إعلان الوزارة أن التعليم سيكون عن بعد لمدة شهرين تقريباً (قابلة للتمديد حسب تقييم أوضاع جائحة كوفيد 19) أشير إلى أهمية أن توضح الوزارة موقفها من مسألة التقييم الختامي وكيف سيكون؟! في حال السكوت وتأجيل مثل هذا التوضيح فإن توقعات الناس قد تقلّل من مستواه مقارنة بما يمكن أن تعلن عنه الوزارة قبيل فترته وحينها يكون الطالب ضحية التوقعات المتدنية بسبب غياب التوضيح المبكر. التقييم هو ليس تحدياً لقدرات المتعلم كما يفهمه كثير من العاملين في التعليم مع الأسف، ولكنه وسيلة كاشفة لمقدار نشاطه واجتهاده ولذلك تصنف اختبارات المدرسة أنها اختبارات «تحصيلية» أي هي حصيلة جهد الطالب في التفاعل مع المعرفة والمحتوى المدروس، وهذا يتطلب من مصمم الاختبار أن يوضح توقعات الاختبار منذ وقت مبكر باعتباره أداة من أدوات المنهج تكمل دائرته في نهاية مطافها، أقول ذلك اليوم وخصوصاً أن أحد خيارات التقييم الفعَّال للتعليم عن بعد هو التقييم المستمر، وهذا يعني أنه ينبغي أن يكون معلناً للطالب أنه لا تقييم ختامياً هذه المرة (أو هو موجود ولكن بنصاب درجات أقل) وأن الاعتماد الرئيس هو على التقييم اليومي والذي وزنه أصبح أكبر من ذي قبل، فبعد أن كان في مساحة درجات أعمال الفصل المحدودة سيتعداها الآن إلى مساحة درجات المادة الكلية تقريباً.