فضل بن سعد البوعينين
جندت الحكومة طاقاتها التشريعية والرقابية لمحاصرة ملف التستر التجاري الذي يعتبر من أكثر المخاطر المهددة للاقتصاد، والمخلة بالتنافسية، والمعطلة لبرامج التنمية الاقتصادية المعنية بدعم المنشآت الصغيرة وريادة الأعمال وتوطين الوظائف. واجتهدت وزارة التجارة في تحسين البيئة التجارية وتحصينها من المخالفات، وفي مقدمها جريمة «التستر التجاري».
وبالرغم من تشعب ملف التستر والتحديات المحيطة به، إلا أن الإصرار الحكومي، وكفاءة وزارة التجارة سيفضي؛ بإذن الله؛ إلى معالجته وتحقيق نتائج إيجابية في فترة زمنية قصيرة، خاصة مع وجود النظام والأدوات الرقابية الصارمة، والتكامل الأمثل بين الأجهزة الحكومية والأنظمة الرقابية والتقنية التي ستحد لا محالة من المخالفات، والمدفوعات المشبوهة، والتدفقات المالية الناتجة عن الأنشطة المحرمة شرعاً وقانوناً.
قضية التستر التجاري أحد أهم التحديات التي يعاني منها الاقتصاد السعودي؛ فهي تستنزف جزءاً مهماً من سيولته التي تحول للخارج وتتسبب في كثير من المشكلات القانونية والمخالفات المالية المؤثرة. لم تعد القضية
معزولة عن جذورها الاقتصادية والمالية والأمنية والمجتمعية، بل أصبحت ذات أبعاد خطيرة لا يمكن الإحاطة بتداعياتها المتشعبة وما تشكله من اقتصاد الظل، الذي يبطئ حركة الإصلاحات ويؤثر سلباً على التوطين والحساب الجاري ويحد من الإيرادات الضريبية. فملف التستر التجاري يحتوي على قضايا غسل الأموال، وتمويل الأنشطة المحرمة، والتهرب الضريبي وترويج العملات المزورة، إضافة إلى ارتفاع حجم الأموال المتداولة خارج النظام المالي، وحجم الأموال المحولة إلى الخارج والتي بدأ تأثيرها أكثر وضوحاً على الاقتصاد بعد انخفاض الإيرادات النفطية واحتمالية حدوث عجز في الحساب الجاري لا قدر الله.
اجتهدت الحكومة خلال الفترة الماضية في إصدار بعض التشريعات المهمة التي يفترض أن تسهم في معالجة التستر، ومنها نظام الاستثمار الأجنبي، والإقامة المميزة، في الوقت الذي قدمت فيه وزارة التجارة عدداً من الأنظمة والبرامج والتشريعات الرقابية، وعقدت شراكات مع وزارات ومؤسسات حكومية لضبط التدفقات النقدية من خلال فرض المدفوعات الإلكترونية التي ستحد بشكل كبير من العمليات المشبوهة وأنشطة التستر.
وأحسب أن نظام مكافحة التستر الجديد الذي أقره مجلس الوزراء، سيسهم في تجفيف منابع التستر والحد من أنشطة اقتصاد الظل وتقليص حجمه خاصة وأنه يشتمل على المعالجة القانونية والجزائية للمنخرطين في عملياته القذرة، والعقوبات التي تصل إلى السجن خمس سنوات، وغرامة مالية تصل إلى 5 ملايين ريال.
ومن أهم ما جاء في النظام الجديد، إقرار آليات لحماية هوية وبيانات المبلغين عن قضايا التستر، وعدم تضمينها ملف القضية، إضافة إلى المكافأة المالية للمبلغين عن التستر والتي تصل إلى 30 % من الغرامة المحصلة بعد صدور الحكم. حجز ومصادرة الأموال غير المشروعة لمرتكبي جريمة التستر من الأحكام المشددة في النظام الذي لم تعد وزارة التجارة الجهة الوحيدة المعنية به بل مكن الجهات الحكومية ذات العلاقة من ضبط جرائمه ومخالفاته، مع إلزام كل جهة تصدر تراخيص لممارسة أي نشاط اقتصادي بمتابعة المنشآت التي رخصت لها، والإبلاغ عن مخالفاتها.
أجزم أن الاستعانة بالتقنية لإثبات جرائم ومخالفات التستر التجاري عبر الأدلة الإلكترونية، سيزيد من إمكانية كشف الكثير من القضايا المستترة، وسيسهل من عمليات تشكيل القضايا وتعزيزها بالأدلة الشرعية.
ومن المهم الإشادة بإقرار النظام مبدأ جواز تخفيف العقوبة أو الإعفاء منها للمبادرين من مخالفي أحكام النظام بالتبليغ الاستباقي؛ فالهدف من النظام هو معالجة قضية التستر الحالية، إضافة إلى خلق الأدوات والممكنات القانونية التي تحد من ارتكاب الجريمة مستقبلاً.