نحمد الله ونشكره على جميع نعمه التي لا تعد ولا تحصى، فنعمة الأمن في الأوطان هي من نعم الله الكبرى التي أنعم بها علينا. إننا ولله الحمد نعيش اليوم لنرى ونحتفل بتسعين عامًا مضت على تأسيس وتوحيد هذه البلاد الطاهرة على يد مؤسسها وموحدها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود -طيب الله ثراه-. يطيب لنا بفخر في هذا اليوم التاريخي أن ندعو لمن وحّد هذه البلاد المباركة، عبدالعزيز وأبنائه وإخوته، ورجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، سطروا أسماءهم في صفحات التاريخ، وشاركوا في الملاحم البطولية والمعارك الحاسمة التي أسهمت في توحيد شمالها وجنوبها وشرقها وغربها تحت راية واحدة، هي راية الدين (لا إله إلا الله، محمد رسول الله).
إننا في كل يوم نعيشه على أرض هذه البلاد المباركة مستظلين بخيراته، آمنين مطمئنين، يعود الفضل لله سبحانه أولاً، ثم بقيادة ولاها الله علينا، تحكم بما أنزل الله، وتستمد أحكامها من الشريعة الإسلامية.
إن هذا المنهج الذي قامت عليه البلاد هو منذ عهد المؤسس -طيب الله ثراه- مرورا بالملوك: سعود وفيصل وخالد وفهد وعبد الله -رحمهم الله جميعًا وطيب الله ثراهم-، وصولاً إلى عهد الحزم والوفاء عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله ورعاه-، وقد سخروا أنفسهم لخدمة شعبهم، وضيوف الحرمين الشريفين، والأعمال الجلية في توسعة الحرمين الشريفين، والحرص على توفير الحياة الكريمة. فلو نظرنا إلى التاريخ لرأينا أن في كل عهد هناك من الإنجازات والأعمال والجهود ما نفتخر به، ونعتز لكونها لبنات صعدنا بها الآن. ما نعيشه الآن تحت قيادة سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله ورعاه- وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله ورعاه- ما هو إلا امتداد سار عليه أسلافهم -رحمهم الله جميعًا- في بناء نهضة هذه البلاد، وحفظ مقدراتها ومقدساتها، وتنمية اقتصادها، وخدمة شعبها وزوارها. فقد تحققت -ولله الحمد- العديد من الإنجازات الرائدة، التي من أهمها رؤية المملكة 2030، وما تضمنته من برامج ورؤى ومبادرات وإصلاحات جذرية، أسهمت دون شك في بناء مملكة حديثة مبنية على أساس متين دون المساس بعقيدتها الإسلامية ومنهجها الوسطي المعتدل. وكذلك المتغيرات في موازين القوى السياسية والاقتصادية التي صبت في صالح المملكة؛ إذ أصبح للمملكة دور ريادي ورئيسي في عمليات صنع القرارات الاقتصادية المهمة، وكان من أبرزها انضمام المملكة للدول العشرين الكبرى، وهذا ما هو إلا أكبر دليل على ثقل المملكة سياسيًّا واقتصاديًّا، واستضافتها في شهر نوفمبر المقبل G20 في الرياض لهذا العام 2020م بمشيئة الله؛ وهو ما يؤكد تأثيرها الكبير في الاقتصاد العالمي، وكذلك انضمامها أخيرًا لمجموعة العمل المالي «فاتف» كأول دولة عربية تحصل على هذه العضوية. وفي تصنيف من مجلة Business Insider الأمريكية الذي أشار إلى قائمة أقوى 10 دول في العالم لعام 2019م حصلت المملكة على الترتيب التاسع بناء على النفوذ السياسي والمالي، إضافة إلى تحالفاتها الدولية وقوتها العسكرية وطريقة إدارتها للقضايا الدولية. وفي جانب الاقتصاد الوطني تم إطلاق مشاريع اقتصادية تنموية عدة، تعكس مكانة المملكة وعمقها الاستراتيجي، وجعلها بيئة جذب واستقطاب للسياح من الداخل والخارج. وتمثلت هذه المشاريع في القدية ونيوم والبحر الأحمر وآمالا وتطوير الدرعية والعلا، ويرها من المشاريع التنموية؛ وهو ما يعني توفير الكثير من الفرص الاستثمارية، وتوفير العديد من فرص العمل. وفي الجانب الآخر أصبح للشباب دور أكبر في المشاركة وصنع القرار، وإتاحة الفرصة لهم في بناء مجتمع شبابي حيوي. والأمثلة في ذلك كثيرة، لعل من أهمها ما نراه من تولي شباب على رأس الأجهزة الحكومية، كما أصبح للمرأة دور أكبر وفعال في المجتمع والعمل الحكومي، والمشاركة في صنع القرار، وتذليل العوائق كافة التي من شأنها أن تسهم في إعاقة عملها وممارسة حياتها الطبيعية بكل يسر وسهولة؛ إذ كان من أهم القرارات في تذليل هذه الصعوبات هو القرار التاريخي المتمثل بقيادة المرأة السيارة، والقرار الأخير الذي تضمن تعديل عدد من الأنظمة المتعلقة بنظام وثائق السفر والأحوال المدنية ونظام العمل والتأمينات الاجتماعية؛ وذلك بهدف الارتقاء وتطوير الأنظمة المرتبطة بعمل المرأة.
أيضًا لا بد من الإشارة إلى موقف المملكة العظيم والمشرف تجاه الأزمة العالمية التي عصفت بالعالم أجمع، وهي جائحة كورونا المستجد، وبلادنا لم تكن بمعزل عن هذه الجائحة، ولم تسلم منها؛ إذ قامت بجهود عظيمة وجبارة ومتسارعة من خلال الاستعداد المبكر لمواجهة هذه الجائحة، ووضع العديد من الإجراءات الاحترازية والاستباقية منذ تفشي هذا الوباء حول العالم، وقبل أن تصل أول حالة مؤكدة إلى المملكة، ضاربة أروع الأمثلة في التصدي لهذه الجائحة؛ إذ وضعت نصب عينيها المواطن والمقيم أولاً، ومن ثم الاقتصاد، وتحملت الجزء الأكبر منذ بدء جائحة فيروس كورونا المستجد، وتحملت العديد من الآثار الاقتصادية الناجمة عن ذلك. ولم تتوقف عند هذا الحد من الأعمال والجهود المباركة، وإنما أقامت شعيرة الحج لهذا العام الاستثنائي من خلال تطبيق أقصى درجات الالتزام بالاحترازات والتعليمات التي أصدرتها وزارة الصحة؛ إذ قامت المملكة باستضافة أعداد قليلة من المواطنين والمقيمين من داخل المملكة، وكانت النسبة الأكثر للمقيمين من جنسيات مختلفة عدة، بما نسبته 70 %. وبتوفيق من الله وحفظه تم إعلان نجاح الحج لهذا العام بإشادة من الدول والمنظمات العالمية التي أثنت على جهود المملكة وسعيها الدؤوب لإنجاح هذه الشعيرة. ختامًا أسأل الله أن يحفظ لنا خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين، وأن يديم علينا نعمة الأمن والأمان. وكل عام وأنت يا وطني بخير.
** **
@Nawaf_alshaikh