عبده الأسمري
يعيش الإنسان في هذه الدنيا في مراحل عمرية وسط موجِّهات تنشئة، وتوجيهات نشأة، وبين تجارب تجعله سائرًا بين المسارب والمشارب.. تُسقطه المتاعب، وتنجيه المنافع.. يستكين للضعف، ويغتر بالقوة.. ويظل محاطًا بمصير «العدم» عند زوال هيبته، وانهيار صحته، واقتراب أجله.
منذ أن خُلق الإنسان وهو بحاجة إلى «الدعم» و«العون» و«المساعدة».. ومن انفرد بحاله وتفرد بمجاله فإنه حتمًا سيظل «أنموذجًا» للعبر؛ لأنه يظل مخلوقًا ميسرًا لما خُلق له، ومسيرًا لما صار إليه.
في سجلات الدعم في كل اتجاهات الحياة فيما يتعلق بالبشر، وبظروف الزمن من مصائب وكوارث ونوائب وغيرها، باختلاف النوع والمقياس والمصير، يحفظ التاريخ مواقف عظيمة، غيرت مسارات شعوب، وانتشلت أقوامًا من قبو «الآلام»، وحولت آفاق العيش إلى أبعاد من الأمل.. فيما عاشت فئات تستجدي الإعانة والإغاثة؛ فظلت حائرة في متاهات «الانتظار»، دائرة في مدارات «الاحتضار».
في كل مجتمع توجد فئات تطالب وتطلب وتناشد وتنشد العون بكل صوره.. فهنالك الفقير والمحتاج والمعدم والمكلوم والمحزون، وأمام ذلك يوجد ميسورون يمتلكون كل أدوات «الدعم» من مال وجاه.. وفي هذا المجال يطغى عنوان «المعروف»، ويسمو وجدان «الإنسان». ورغم ذلك لا تزال هنالك فجوات من «التقاعس» ومن «التخاذل» التي تصنع «الخيبات»؛ فتزيد المصاعب في مساحات «المتعبين»، وترفع المتاعب في ساحات «المفجوعين»؛ فتتوسع الجراح، وتتعمق الأحزان.
هنالك نماذج مشرقة، صنعت «الحياة» لآخرين، كانوا على حافة «النهاية»، ومنحت للمتألمين إضاءات، أنارت غياهب «الاحتياج»، ووظفت الخير لنشر عبير «الاكتفاء» رغمًا عن ويلات الإفلاس.. فانتشرت مفاهيم «الإحسان» في أجمل صورها وأبهى حللها معلنة «انتصار» الإنسانية و«اندحار» الأنانية.
في مجتمعنا صناع للخير وجراحون للأسى، استطاعوا أن يقدموا الحسنى في «خبايا» ظلت في طي الكتمان، وعطايا ارتفعت في ضي الامتنان.. هؤلاء المضيئون بإحسانهم، المجللون بالصفاء، المكللون بالوفاء.. كانوا وسيظلون الوجه الجميل للنفع، والموطن الأجمل للشفع في جمال «عطاءاتهم»، وامتثال «سخاءاتهم».
تغيّر الواقع كثيرًا، وتعالت التساؤلات، وارتفعت الاندهاشات في خضم «نسيان» مجحف عن الإحساس بظروف الغير، و»تناسٍ» مخيف عن الحس بعوائق الآخرين.. الأمر الذي صنع «الدهشة»، وأوجد «الاستغراب» في ثنايا «التفكير الإنساني»؛ وهو ما جعل «الإحباط» يتسرب إلى الأنفس المتألمة؛ ليسد أبواب الأمل، ويوصد بوابات الحلول..
لا تزال صفحات المحسنين الماكثين في متون «المنافع» بيضاء، تملؤها «تواقيع» الأثر، وتستوطنها «وقائع» المآثر في بصمات صنعت الآمال، وصاغت الأمنيات لبشر كانوا في مدارات «الحيرة»، وأدخلت «السرور» إلى أرواح كانت مسجونة في عنابر «العزلة».
عجبي من موسرين يلاحقون «فلاشات» الظهور و«إضاءات» المظاهر في محافل تتمحور على «الذات»، ولأجل «الأنا» فقط، فيما هنالك مَن ينتظر لفتة «حانية»، والتفاتة «متفانية» منهم، كإعانة أخوية أو إغاثة إنسانية في ظل صرف مبالغ «ضخمة» جدًّا على «مصاريف» قد تجلب لصاحبها سوءات «الغرور»، وويلات «النرجسية»، وتنقله من خطوط «الإنفاق» البذخ إلى أقبية «النفاق» المبرمج.
الإنفاق نتيجة حتمية ومصير محتوم لكل أموال الدنيا، والحصيف من نجا من مظلمة «البخل»، وتجاوز مغبة «الجشع»، واجتاز عقبة «الطمع»؛ فكلها تصنع «النفاق»، وتبرمج «الرياء»، وتنشر «الكساد». والذاكرة البشرية مكتظة بقصص كبيرة ومثبتة، تظل في خانة «الخيبات» المؤكدة التي كانت نهاية متوقعة لسوء إدارة المال، وفشل قيادة الذات.
الشعور بآلام الآخرين منهج «عظيم» ونهج «قويم»، كان وسيظل في كل مراحل العيش الضياء الذي أضاء مظالم «العقبات»، وأزال معالم «العواقب» في مصائر بشر عاشوا تحت وطأة المعاناة، وضاعوا أمام صدمة المحن.
يجتمع الناس في معادلة الانتماء البشري، وفي ضرورية الإخاء الإنساني. فعلى من يملك القدرة أن يصنع «الاقتدار» واقعًا، وأن يصدر «المنافع» فعلاً في كل أوجه المشاركة والمبادرة بالمال والإعانة المطلوبة، فإن لم يستطع فالمجالات متاحة، والطرق مفتوحة في كل مجالات الغوث، مثل الشفاعة والدعاء والسؤال والاطمئنان والسعي والوقوف بكل أنواع «الدعم» في كل منحنيات الحياة.. وليكن العنوان دومًا أن الأقدار لا تستثني أحدًا، وأن الأيام دُوَل بين الناس.