رجاء العتيبي
قد تتغير القيادات التي مكثت أزمنة طويلة, ولكنها حينما تغادر تغرس مكانها شيئًا منها, شيئًا يشببها, شيئًا يمثل امتدادًا لها, وهذا يعني أن العقل الذي فشل في حل المشكلات في زمنه, يتكرر في الأزمنة اللاحقة ويكرر ذات الفشل في الأزمنة الجديدة, ولا يدع مجالاً للجيل الجديد بأن يحل مشكلاته وفقًا لحالته الراهنة.
هذه حالة تتكرر في عالمنا, حالة أوقفت زمننا، وفي كل مرة تعيد نسخه, حالة يمكن أن تسقطها بوضوح على السلطات الفلسطينية, نسخ تتكرر طوال سبعة عقود, لا حلول, لا إنجازات, لا دبلوماسية, لا ذكاء سياسيًا, طوال 72 سنة الوجوه نفسها والكلام نفسها والانفعالات نفسها والإستراتيجيات نفسها، والخطابات العاطفية نفسها, والعيون الجاحظة نفسها, وحرق أعلام الدول نفسها منحتهم النفس والمال في موقف أقل ما يوصف بأنه جحود ونكران.
انظر إلى الجيل الجديد الذي تخرجهم حماس, في المناسبات الرسمية والعسكرية, هي الوجوه ذاتها, الأكتاف ذاتها, الصدور ذاتها, الملامح ذاتها, العقلية ذاتها, لأن الذين يذهبون يأتون بمن يشبههم ويعز عليهم أن يدعوا الجيل الجديد وشأنه, وصاية خانقة, ودبلوماسية نفعية.
ما الذي يجعل حماس ترتمي في أحضان إيران؟ ما الذي يجعلها تبارك علاقات تركيا بإسرائيل؟ ما الذي يجعلها تتحالف مع قوى الشر في المنطقة, ما الذي يجعلها تصف قاسم سليماني بالشهيد، وهو الذي قتل العراقيين والسوريين واليمنيين, والأكراد؟.
ليس هنا مجال للتذكير بالمليارات الخليجية والسعودية تحديدًا التي جعلت فلسطين على قيد الحياة, واسمًا لا ينساه أحد, وقضيةً تُطرح في كل محفل عالمي, وليس هنا مجالاً - أيضًا - للتذكير بالمعناة التي تكبدتها السعودية في سبيل المنافحة عن الحق الفلسطيني في أرضه, ليس مجالات للتذكير, لأن التاريخ يحكي, والوثائق تتكلم, والمسؤولين يعرفون, والعالم يثبت.
ليس ثمة أمل في الجيل الجديد في السلطات الفلسطينية بجميع تكتلاتها, لأن المنتج هو ذاته, فكلما خلفَ خلفٌ صار مثل صاحبه, في التعنت والنكران والطعن من الظهر, والغزو الكويتي ليس ببعيد, والهجوم الحالي المنظم ضد دول المقاطعة بسبب إعلان تدشين علاقات جديدة بين الإمارات وإسرائيل ما زال حيًا تنقله قناة الجزيرة القطرية في كل ثانية من ثواني بثها.
نشاطر المجتمع الفلسطيني المغلوب على أمره حزنه وآلامه وآهاته, نبكي مع العوائل والأسر في الضفة والقطاع الذين فقدوا أبناءهم ومنازلهم وأراضيهم, مقابل تمتع أبناء السلطات الفلسطينية بكامل الامتيازات والحقوق والمنافع.
ويأمل الجميع لو أن ثمة اتصالاً مباشرًا مع الشعب الفلسطيني لرأيت الإنسان الفلسطيني في حال أفضل, ربما يتحقق ذلك قريبًا, مثلما انهمرت مؤخرًا المساعدات للشعب اللبناني مباشرة من دون المرور بالسلطات اللبنانية تجنبًا لأيدي الفساد, وقال العالم كله ذلك بوضوح عقب انفجار مرفأ بيروت.