أحمد المغلوث
رحم الله الأستاذ سعد الحقباني الدوسري من رواد الإعلام في الأحساء، بل الوطن. زاملته في صحف محلية عدة.. وكان لي أكثر من أخ، وكنا خلال وجوده في المملكة وقبل انتقاله للعمل في «لندن» عاصمة الضباب التي عشقها حتى الثمالة -كما يقال- نلتقي، ولكن على عجل بسبب التزاماته الصحفية، وخصوصًا عندما عمل في صحيفة «الرياض ديلي» التي زادت من مسؤولياته؛ وبالتالي باعدت بيننا وبين تلك اللقاءات الخاطفة والمحببة التي كنا نثريها بكل ما له علاقة بالثقافة والمعرفة.. بل كان متابعًا جيدًا لما كنت أكتبه في «الرياض» من تقارير أو تحقيقات أو حتى غرابيل. وكم تضاحكنا معًا وهو يعلق على موضوع باسم، أو كاريكاتير ساخر، أو حتى لوحة تحمل جماليات الوطن.. وكذلك ما كنت أكتبه هنا في «الجزيرة» من إطلالات أو زوايا، كانت تحظى بمتابعته واهتمامه الأخوي المحبب.. بعدها اقتصرت اللقاءات فقط على الاتصالات الهاتفية المتباعدة.. فقد أخذته دوامة العمل، وطاحونة اليوم المعتاد، ومع هذا وقبل سنوات بعيدة عدة حضر إلى الأحساء في زيارة لأسرته العزيزة، وحرص على أن نلتقي معًا في المخيم الذي أُقيم على شرفه في «بر» الأحساء، الذي اتسم بالحميمية وروعة الكرم الدوسري. وكان هذا اللقاء هو الأخير الذي التقينا فيه -رحمه الله-.
وتمضي الأيام راكضة في اتجاهاتها المختلفة التي أجبرت مئات الملايين من البشر على عدم اللقاء مع أحبائهم ومعارفهم؛ فلكل واحد منهم ظروفه ومشاغله. وحبيبنا سعد الذي رحل بعد مرض عضال لم يمهله طويلاً كان إعلاميًّا مجازًا في اللغة الإنجليزية من المملكة وبريطانيا، وكان يجيد الترجمة الفورية، بل يكتب فيها بعمق. ومع هذا عندما تلتقيه نادرًا ما تخرج من فمه كلمة غير عربية إلا خلال عمله. كان مثقفًا، وفيه شيء من الميل إلى الصمت. يكاد يكون صاحب ميزان؛ فلا تخرج كلماته إلا موزونة ومطعمة بالعقلانية والموضوعية والبساطة.. بل إنك عندما تتأمل وجهه «الوسيم» الذي تزينه ابتسامة فريدة يتمتع بها وحده تشعر بأنها ابتسامة حب ووفاء.
وهو يراقب عجلة الحياة، كأنه يحسب أنه سوف يرحل قريبًا جدًّا على الرغم من حبه الدائم للتفاؤل والحياة. وما أكثر تطلعاته، وأحلامه، مثله مثل كل مبدع في مجاله.
وإذا كان (السعد الباسم) كل شيء بالنسبة لأفراد أسرته الكريمة فهناك المئات الذين كان لهم أخًا وزميلاً، بل صديقًا لبعضهم. كتب عنه في تغريدات باكية زملاؤه ومحبوه الذين عملوا معه خلال العقود الأربعة الماضية معددين باختصار مناقبه وصفاته الرائعة، وما أكثرها. ورغم وجوده في بلاد الضباب عقودًا لم أنسَه أبدًا؛ فهو يظل (الدوسري الباسم)، قامة إعلامية، سوف تبقى ضمن القامات الإعلامية التي يشار إليها باهتمام وتقدير كبيرَين. وأفخر بل أعتز بأنه كان لي أخًا وفيًّا وصادقًا، يجسد «البداوة» الأصيلة التي تتجذر من أصالة التاريخ وبساطة الإنسان السعودي الذي اتسم عبر التاريخ بخصوصية وتميز عُرف بها. هكذا كان سعد بعد رحيله كما كان قبل ذلك قامة يُشار إليها بالبنان عندما يذكر الإبداع الإعلامي السعودي في الداخل والخارج. إبداع كشمس وطنية دائمة ومشرقة. رحمه الله رحمة واسعة سعة الوطن.. و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}؟!