م. بدر بن ناصر الحمدان
منذ الانتخابات البلدية التي انطلقت في نسختها الحديثة عام 2005م قدَّمت المملكة ممثلة في وزارة الشؤون البلدية والقروية تجربة استثنائية على مستوى «التنظيم والإدارة» للانتخابات، وتفعيل مشاركة المواطنين في منظومة الترشيح والاقتراع، وتأصيل دورهم في صناعة واتخاذ القرارات البلدية، إلا أنه على صعيد «الممارسة العملية» لتلك المجالس البلدية المنتخبة كان واضحًا أنها - ورغم كل الجهود التي بُذلت من قِبل الدولة - لم تستطع حتى الآن إثبات قدرتها على أن تكون شريكًا رئيسًا وفاعلاً في إدارة المدن التي باتت جزءًا من تركيبة إدارتها المحلية.
يمكن القول إن المجالس البلدية أخفقت «عمليًّا» إلى حد كبير في تحقيق الأهداف، والاضطلاع بالمسؤوليات التي أوكلت لها من قِبل النظام المشرع كممثل لسكان المدن الذين انتخبوا أعضاءها أو أسهموا في تعيينهم، باستثناء عدد من المجالس التي نجحت إلى حد ما في تلبية نسبة من التطلعات؛ لذلك كان من المتوقع أمام هذا العمل غير المقنع أن ينتهي الأمر إلى قرار مجلس الوزراء في أكتوبر 2019م الذي تضمن التوجيه بعمل إجراءات إصلاحية، تقتضي «تطوير منظومة المجالس البلدية لتفعيل دورها ومساهمتها في تحسين مستوى الخدمات المقدمة للمستفيدين، وتحقيق تطلعات ورغبات المواطنين بناء على ما تم رصده من قصور وملاحظات في أدائها».
من وجهة نظري الشخصية، إن أهم العوامل الرئيسة التي أسهمت في هذا الإخفاق تكمن في المستوى المتدني لمعايير ترشيح الأعضاء، إضافة إلى عقلية عمل المجالس البلدية. فضعف المعايير أدى إلى وصول «بعض» الأعضاء من غير المتخصصين أو غير المؤهلين علميًّا وعمليًّا للمشاركة في صنع القرار البلدي بالمنظور المؤسسي، وانعكس ذلك سلبًا على مستوى الأداء. كما أن عقلية تلك المجالس بنيت في «أغلبها» على منافسة السلطة التنفيذية (البلدية) أمام المجتمع المحلي في ظل عدم فهم أعضائها حدود صلاحيات المجلس (كسلطة تقرير ومراقبة)؛ وهو ما أدى إلى ازدواجية في مسؤوليات الجهاز البلدي، وإرباك إدارته، بل أسهم في تعطيل وتأخير كثير من القرارات والمشاريع والمبادرات، وجعل من المجلس البلدي أداة إدارية غير منتجة بالمعنى الحقيقي سوى لحزمة من التقارير والتوصيات التي هي في الأصل جزء من عمل البلدية الروتيني.
خلاصة القول: تبقى «الممارسة العملية» هي المسار الحرج حتى الآن في أروقة المجالس البلدية؛ وهذا ما وضعها في مستوى متأخر عن ركب إدارة المدن مقارنة بالتطور الأخير والملموس في منظومة العمل البلدي على مستوى الوزارة والأمانات والبلديات؛ الأمر الذي يبرهن أن رؤية المملكة 2030 لن تنتظر مزيدًا من التجارب في حقل المجالس البلدية، وقد تكون النسخة القادمة «الفرصة الأخيرة» لهذه المجالس لإثبات كفاءتها وأهليتها، وربما قد يصل الأمر في النهاية إلى إلغائها، والبحث عن أداة إدارية بديلة أكثر تطورًا وقدرة على مواكبة العمل الجاد الذي تعيشه البلاد اليوم.