سام الغُباري
في الثامنة والثلاثين من عمر المؤتمر الشعبي العام أشعرُ بأني صرت إنسانًا مؤتمريًّا كامل الولاء والانتماء. ما عرفت غيره، وما دخلت سواه، وفي الأربعين من عمري لم أزل حائرًا بين صفوف كثيفة من قياداته التي بلغت التسعين، وترفض أن تغادر كراسي الصف الأول.
غيري جيل بأكمله، ملايين من الشباب الذين وُلدوا مؤتمريين، وانقسموا في ربيع العمر الثلاثيني إلى تكتلات غاضبة، بفعل شظايا الربيع العربي.
العفاشيون الفريق الأكثر عددًا، لكني ضد هذه التسمية التي فرزت الولاء التنظيمي باتجاه عائلة واحدة، بيد أني «مضطر» إليها لتوصيف حالة التشظي العميق داخل التنظيم الهائل شعبيًّا. ويأتي في المقام الثاني «مؤتمريو صنعاء» الذين يرأسهم «صادق أبوراس»، وقد نال من العذاب ما أوقعه في شرك الحوثيين وذنوبهم، وفي قائمة القيادة (نجل الرئيس الراحل علي عبدالله صالح)، وهو صامت كعادته، لا يُسمع له ركز.
أما الجانب القوي والضعيف في آن فمؤتمريو الشرعية، وهم أولئك الذين يؤيدون دولة الرئيس عبدربه منصور هادي، ويلتزمون به كرئيس للمؤتمر الشعبي العام؛ فهم أقوياء في عدد مؤيديهم بالمناطق المحررة، وضعفاء لأنهم مترددون في إقامة مؤتمر عام للحزب يعزز الحضور السياسي للشرعية وللسلطة وللنظام السياسي برمته. ربما يخشون نتائج الانتخابات العامة والمباشرة لقطاعات التنظيم التي قد تفرز شخصيات مفاجئة، تحذفهم من المشهد السياسي، وربما لأنهم بلا موازنة تغطي تكاليف مؤتمر ضخم العدد والكلفة، وربما يكون المعنى في بطن الشاعر.
بعد 38 عامًا من إعلان المؤتمر الشعبي العام حزبًا، أولاً يبدو حاله كحال اليمن؛ الوجوه التي كانت تظهر في صف واحد باتت منقسمة بحدة، وقد مثل الصعود المتتالي لقيادات من خارج التنظيم خطرًا محبطًا لآمال شبابه الذين يجب أن ينالوا فرصتهم اليوم للصعود نحو القمة الممنوعة.
على الأقل سيفكرون بعيدًا عن ضغائن الكبار، الذين اتخذ بعضهم موقفًا ناصعًا بانحيازه الثابت للدولة وخيار الديمقراطية، ورفض التعاطي والتعاون مع ميليشيا الحوثي. هذه المواقف الملهمة جديرة بالاحترام طبعًا، لكنها لا تكفي؛ فالمؤتمر الشعبي العام بحاجة إلى دماء شابة من الجيل الذي وُلد مؤتمريًّا، ولم تغيّره معتقدات الأحزاب والتيارات الأخرى. ما أقوله لن يروق لكثيرين؛ فالزلزال الذي هز اليمن بعنف مع الغزو الحوثي للعاصمة وسقوط الدولة يحتاج إلى دم حار، يفور من أجل بلاده، ويسعى بقوة لإثبات أن النظام السياسي التعددي خيار الجمهورية الذي لا تنازل عنه، ولا يمكن أن تتعافى السياسة إلا بسياسيين جدد في كل الأحزاب، يحملون ولاءهم وأحلامهم لإيقاظ ما أقعده الشيوخ على كرسي الإعاقة. كل شيء بات كسيحًا، ولن يواجه خطر الانفصال إلا شباب قوي فتي، ولن يهزم الحوثي ويستعيد اليمن سوى عزم شاب، وذراع غير مكبلة، وقدم تثب إلى المستقبل بجرأة فاعلة. ما دون ستبقى الأحزاب، وعلى رأسها المؤتمر الشعبي العام، مشغولة بأدوية الضغط والسكري والروماتيزم الحاد؛ تخرج من غرفة الطوارئ، وتعود إلى غرفة الإنعاش.
وإلى لقاء يتجدد.