د. علي بن صالح الخبتي
هل سمعتم بهذا المصطلح من قبل؟ إن لم تكونوا قد سمعتم به فانسبوه إليّ. التنمُّر الإداري مشكلة كبيرة في الإدارات والمؤسسات في دول العالم؛ يعيق العمل، ويثير المشاكل، ويؤخر الإنجازات، ويعطل النظام.. لكن ما هو التنمر الإداري؟ التنمر الإداري عندما يأتي أحد الموظفين إلى رئيس الشركة، سواء كانت كبيرة أو صغيرة، أو مدير الإدارة، أو أي مسؤول، ويقول دعنا ننفذ هذا الإجراء، أو ننهي هذه المعاملة؛ لأنها جاءت من قريب صاحب الشركة، أو من صديق المسؤول، أو من له حظوة بشكل أو بآخر.. علمًا بأن صاحب الشركة أو المسؤول أو صاحب الحظوة لا يعرف عن هذه الممارسة.. ولا يدري عن الذي يمارس التنمر على حسابه. وهذا أمر خطير. والأخطر منه أن يستجيب المسؤول أو صاحب الشركة لرغبات ذلك المتنمر الذي يستغل مكانته أيًّا كانت لممارسة التنمر. والمشكلة الأكبر أن هذا التنمر يمارَس بأشكال عديدة، قد لا يكون التنمر فيها واضحًا.. فيأتي المتنمر بطريقة التوسل، وقد يأتي بطريقة ممارسة الفوقية على الموظفين دون الرجوع للرئيس المباشر لهم، ويفاجأ المسؤول بأن هناك أعمالاً وإجراءات تُنجز دون علمه حتى لو كانت تبدو عادية.. إلا أن مجرد الاتصال بالموظفين دون علم رئيسهم هو شكل من أشكال التنمر الذي يجب مناقشته على أعلى مستوى في المؤسسة، والحد منه، وتوبيخ الممارس له وإيقافه؛ لأن المبدأ الصحيح، بل النظام يفرض أن يتم الاتصال برئيس أو صاحب المؤسسة، وتقديم الطلبات له، وهو الذي يوجه الموظفين، ويشرف على أدائهم، ويحاسبهم على تقصيرهم، ويكافئهم على حسن إنجازاتهم. أما أن يتم الاتصال بالموظفين مباشرة من قِبل أي نافذ مهما كان شكل نفوذه فهذا شكل من أشكال التنمر، وهو ممارسة تقتل المؤسسة، وتعيق إنجازاتها، وتثير المشكلات بين الموظفين ورئيسهم؛ وهو ما يجعل الجميع منشغلين في هذه المشكلات بدلاً من التركيز على الإنجاز وتحقيق أهداف المؤسسة. التنمر الإداري هو شكل من أشكال الفساد الإداري الذي ينهش المؤسسة، ويحبط العاملين فيها، ويقلل من ولائهم لرئيسهم، بل يدفعهم للتمرد عليه بحكم أن لهم علاقة بذلك المتنمر النافذ. سمعنا كثيرًا عن تنمر الأطفال، وكيف يعمل ذلك التنمر على تحطيم شخصياتهم، والحد من إبداعاتهم وتميزهم وخذلانهم.. وقد أُجريت دراسات كثيرة على هذا النوع من التنمر، ووُجد أنه كارثة كبيرة، تؤدي إلى قتل الإبداع عند الأطفال، وتدني نمو شخصياتهم، وانتهائهم إلى أفرادفاشلين في المجتمع، يحتاجون إلى رعاية من المجتمع بدلاً من أن يكونوا مساهمين فاعلين في تطويره.. وتعمل المؤسسات التربوية على الحد من هذا النوع من التنمر الذي يمارَس في المدارس في مختلف دول العالم، وعلاجه، وإصلاح الممارسين له، أو معاقبتهم إذا لزم الأمر.. وهنا ألفت الانتباه إلى إجراء دراسات حول التنمر الإداري، مدى وجودة؟ وأشكاله؟ وآثاره؟.. وسيكون لهذه الدراسات آثار إيجابية كبيرة على أداء المؤسسات؛ لأن علاجه يؤدي إلى استئصال إحدى المشكلات غير المرئية، وغير الملاحظة، وغير المتعامل معها كما ينبغي. التنمر ليس فقط على مستوى الأطفال، الذين ارتبط هذا المصطلح بشكل واسع بهم.. التنمر له أشكال وألوان وأنواع، ويمارَس ليس فقط في المدارس ولكن في المؤسسات والمنازل والشارع، وفي جميع مناحي الحياة.. وأدعو الباحثين في الجامعات والمؤسسات البحثية على مستوى الوطن العربي إلى أن نتنبه لهذه المشكلة الكبيرة، ونحد من تأثيرها في مجتمعنا بجميع أشكاله..
وخلاصة القول: إن التنمر الإداري ضرب من الفساد الإداري، تؤدي ممارسته إلى ضرب مبدأ العمل بروح الفريق الواحد في مفصل.. وإلى تنمر موظفي المؤسسات على مديريها.. وتحوير الولاء من رئيس المؤسسة إلى ممارس التنمر.. كل ذلك يؤدي إلى انشغال المؤسسات في مشكلات تستهلك طاقاتها، وتحد من إنجازاتها.
ولهذا أدعو إلى التنبُّه له، وإعداد دراسات حوله، والحد منه حتى يستقيم العمل في المؤسسات، ويتم التركيز على الإنجازات.. وينشغل جميع موظفي المؤسسات في العمل والإنجاز بدلاً من الانشغال في علاج مشكلات كانت أساسًا نتاجًا للتنمر الذي يمارَس في المؤسسات.