عبد الرحمن بن محمد السدحان
• نحن سادتي العرب في زمن رمادي الهوية.. اختلطت فيه أوراق.. واهتزت قيم.. وبارت شيم! نحن في زمن رماديّ الفلسفة.. تسعى في دروبه أشباحٌ.. من القبح الماديّ.. والتردِّي المعنوي، تطلُّ عبر بعض وسائل إعلامه التي طغت عليها أعاصيرُ ملونةٌ من لذّات الحس.. ومتع البصر، وغزتْها الشعوذةُ الفكرية باسم الحرية والتعددية.. في السياسة والثقافة والاجتماع. فتشوّه الفكرُ، وساءَ الظنُّ.. وفسدت بعض القلوب!
***
• نحن في زمن رماديّ الهوى.. صار فيه الفقر عارًا.. والعوز عيبًا.. والحاجة إثْمًا.. والعفّةُ فشلاً! أصبح الحفاظُ على الموروث الصالح تخلُّفًا! والقفزُ المزيّف فوق حواجز التفوّق ذكاءً! وأمسى (تمريرُ) الوسائل. (وتبرير) غايتها مهارةً.. بل واحترافًا! وبات الكذبُ والنفاق والتزلف والرياء.. حكمةً وحصافةً وحلمًا!
***
• نحن في زمن رماديّ الفكر.. يُمارس في ظله الزيفُ باسم حرية الرأي.. وتُزهقُ أنفاسُ الحرية حين تتعالى زخات الرفض وتهيمن فتنة الخلف على عقلانية الحوار وصوابه.. فتموت الحرية دهسًا تحت أقدام المتحاورين.. أعني (المتحاربين) بالألفاظ والجمل غير المسؤولة!
***
• ومرةً تلو الأخرى.. نثبت نحن بعضَ العرب لأنفسنا ولمن حولنا أننا ما فتئنا (نستورد) ممارسات الفكر من الغرب (ونستهلكها).. ولكن على نحو يسيءُ لنا ولها معًا، ليُقالَ عنا أننا متطورون فكرًا.. لكننا في غمرة ممارسة (التقليد) للآخر، نخلط أحيانًا بين تراكمات (الذات القبلية) في أعماقنا وبين بديهيات حرية الفكر.. القائمة على التسامح والتعامل بعقلانية وحلم مع الاختلاف!
***
• نعم، نحن في زمن رماديّ الخُلق.. يرى أحدُنا الخطأ بأم عينيه.. فيؤثرُ الصمتَ.. لا ينكره لا بيده ولا بلسانه ولا حتى بقلبه.. فإذا سُئل عن صمته، أجاب بعذر أقبح من الفعل: (لعل لفاعل الخطأ عذراً وأنت تلوم!) فتقول له: (ولكنه خطأ واضح فاضح لا عذرَ فيه أو له!) فيرد بطامة أخرى: (استر أخاك ولو كان مخطئًا)!!، مرة أخرى.. تختلط الأوراق بين التستر والستر، ويغدو التستر على الخطيئة فضيلة!
***
• وبعد.. فإنني ألتمس من القارئ الكريم العذرَ والفهمَ معًا عما أسلفت في حديث اليوم، وما تضمنه من بوح صريح.. فما كانت هذه الأنفاس البريئةُ لتغادرَ محار النفس لولا سطوة الزمن.. والوجدان في آن.. وأزعم أنها تصوِّر بصدق أحوال بعض عرب هذا العصر الرديء، طرحتُها لا تشَاؤمًا منه أو زهدًا فيه، رغم رماديته، ولا نفورًا من بعض أهله.. أو تنكرًا لهم، رغم ماديتهم، بل محاولة متفائلة ومخلصة.. لإيقاظِ وجدان من له وجدان منهم كيْ يصلحَ من حاله ما استطاع، مستلهمًا في ذلك الحكمة الربانية الخالدة {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.