محمد سليمان العنقري
أطلقت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية التسجيل ببوابة العمل المرن (إحدى مبادراتها الجديدة)؛ وذلك لمنح مَن يرغب بعمل إضافي الفرصة وفق برنامج ساعات عمل مرنة، وشروط ميسرة. وتضاف هذه المبادرة لسلسلة من أخواتها بهدف زيادة نسب التوطين، وخفض معدلات البطالة. ومن اللافت أنه رغم ما نتج من جائحة كورونا من تعطل بالعديد من الأنشطة الاقتصادية إلا أن نسبة البطالة تراجعت إلى 11.8 في المئة من مستويات فاقت 12 في المئة لفترة طويلة نسبيًّا، لكن هل تحل وزارة الموارد البشرية وحدها مشكلة البطالة؟ فهي في النهاية جهة تنظيمية رقابية على سوق العمل، ولا تولد وظائف كالقطاعات الإنتاجية.
بداية، فإن معالجة البطالة الحالية والمستقبلية تقوم على توليد فرص عمل، مع التركيز على القطاعات ذات الميزة النسبية التي يمكن أن تولد فرص عمل مستدامة وذات دخل جيد، ويكتسب العامل فيها مهارات وخبرات نوعية، يُضاف لها أيضًا التركيز على الميز النسبية لكل منطقة ومدينة. فسوق العمل هو من يحكم على آفاق حلول البطالة بشكل عام؛ فمنه تؤخذ الصورة كاملة عن حجم الوظائف القائمة التي يولدها أو يفقدها الاقتصاد سنويًّا، وكذلك القطاعات التي تتركز فيها جل الأعمال والاستثمارات مما يساعد المخططين على توجيه الاقتصاد نحو دعم القطاعات بالحجم والطريقة المناسبة. فرغم أن المملكة لديها إمكانيات كبيرة لنجاح قطاع الصناعة الذي يمكن أن يولد عددًا هائلاً من فرص العمل لكن حجم القطاع في سوق العمل ما زال دون التطلعات؛ فعدد المصانع يقارب 8800 مصنع ما بين عاملة وتحت الإنشاء، لكن نسبة المواطنين الذين يعملون فيها تزيد على 10 في المئة بقليل. ومع ما أظهرته جائحة كورونا من أهمية لزيادة وتوسيع قاعدة الإنتاج الصناعي للعديد من السلع والمنتجات النهائية فإن دور وزارة الصناعة وكل جهة ذات علاقة بالقطاع يصبح أكبر لتحقيق أهداف عدة في وقت قصير، منها زيادة الطاقة الاستيعابية بالاقتصاد، وتوليد فرص العمل. وكذلك الحال تنطبق على كل قطاع فيه جدوى، وتتوافر إمكانيات نجاحه بنسبة كبيرة.
أما الاتجاه الآخر لمعالجة ملف البطالة أيضًا على المدى الطويل فإنه يكمن في فتح الباب أمام المهنيين من مختلف التخصصات لتأسيس مشاريعهم الخاصة بدلاً من انتظار الحصول على وظيفة. وقد يكون هناك العديد من المبادرات بهذا الخصوص، لكن من الممكن القضاء على بطالة بعض المهن من جامعيين وتقنيين من خلال منظومة متكاملة، تُنهي انتظارهم للحصول على وظيفة أن يكونوا هم أصحاب الأعمال وفق تنظيمات جديدة يحتاج إليها سوق العمل، ودور تمويلي مختلف عن البرامج القائمة حاليًا. وهناك تجارب عديدة قامت بها دول بالمنطقة والعالم، نجحت من خلالها في التوسع بهذه المشاريع؛ وهو ما خفف بشكل كبير من بطالة بعض المهنيين. فسوق العمل النجاح فيه للتغلب على البطالة يكون ثمرة لجهود بين العديد من الجهات الرسمية والقطاع الخاص.
مما لا شك فيه أن ملف البطالة يعد الأهم بين الملفات الاقتصادية لأي دولة، والجهود المكرسة لحله كبيرة، ومع الوضع الاقتصادي الذي نتج من الجائحة زادت تعقيدات الحلول، لكن في المقابل كشف الكثير من الفرص المهدرة، وإمكانية تطوير الحلول لصناعة رواد أعمال، وإمكانية إيجاد حلول للبطالة مستدامة، يمكن أن تتكيف مع الدورات الاقتصادية، وتسهم في عدم تفاقم البطالة، وزيادة نسبتها، وارتفاع تكلفة معالجتها.