سلمان بن محمد العُمري
من الأمثال العربية القديمة الراسخة (رمتني بدائها وانسلت)، وهو مثل يضرب لمن يعير صاحبه بعيب هو فيه، فيلقي عيبه على الناس ويتهمهم به، وهذا المثل لايزال سائراً في أحوال كثيرة في هذا الزمان فقليل من المجانبين للصواب والمبتعدين عن الجادة السليمة من يعترفون بتقصيرهم وخاصة في جوانب المعاملات مع الناس، والغالبية العظمى ترى أنها على الحق وماسواها على الخطأ، ولربما أبصر هذا المسيء في بعض عيوب الناس ولم يبصر عيبه، ومن الأمثال الشعبية التي تتوافق مع هذه الحالة أعزكم الله (الكلب لا يرى اعوجاج ذيله).
والأدهى والأمر حينما يرى صاحب السلوك غير السوي والخلق المشين والعادات السيئة أنه هو الأصح والمبصر وأن غيره هم المخطئون، ولذا فلا عجب أن يعتبر البخيل بخله على نفسه ومن حوله أنه اقتصاد، ويتحدث الجبان عن حالته بأنه حذر وفطن، ويفسر الوقح بذاءته بأنه إنسان واقعي وصريح، ويرتدي النمام والمغتاب ثياب النصح والحرص على المصلحة، ويتقمص المنحرف ثياب الحرية والتنوير، ويزدري الحاقد غيره باسم النقد، ومثله العنصري بادعاء الواقعية، ويتفلسف السفيه باسم القوة والشجاعة، وهكذا كل صاحب خلق سيئ تجده يعيب الناس فيما ابتلاه الله به، ويلبس سيئته لباس الدين تارة فيستدل بنصوص في غير محلها، أو يدعي الكمال والنزاهة والصراحة والشفافية والوضوح وهو خالي الوفاض من كل هذا.
وكما ذكرت فإن البعض لا يكتفي ببخله وشحه وبذاءته وما به من سلوك غير سوي، بل يعيب على الناس ماهم عليه من الخلق الفاضل وسلوك قويم فتراه منتقصاً منهم ومتطاولاً عليهم، وربما كان أقرب حالاً لـ(المُفلِس) الذي رسب بسبب (المعاملات) لا بسبب (العبادات)، وهو ممن وصَفَهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي المقابل ننظر إلى الحديث النبوي: (إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم)، فالشعائر (العبادات) لا تستقيم بدون حسن الخلق، وأن تلك الشعائر إذا لم تُثمر أخلاقاً فاضلة فعلى المرء أن يراجع نفسه!!
قال صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه).
خاتمة:
إنّي شَممتُ من العطورِ جميعها
وعَرفتُ أطيبها على الإطلاقِ
كلُّ العطورِ سينتهي مفعولُها
ويدومُ عطرُ مكارمِ الأخلاقِ