خالد بن حمد المالك
لا يمكن استثناء الرئيس اللبناني ميشيل عون من المساءلة بشأن جريمة ميناء بيروت، فهو يجلس على كرسي الرئاسة اللبنانية منذ أربع سنوات، ولا يمكن التسليم بصحة قوله من أنه لم يكن يعرف شيئاً عن المخزن القاتل، ليرمي التهمة والمسؤولية على غيره، وكأنه غير معني بأرواح القتلى والمفقودين والمصابين والدمار الذي أصاب نصف بيروت، حيث يجلس في قصر بعبدا.
* *
كما لا يمكن أخذ كلام أمين حزب الله حسن نصر الله على محمل الجد من أن هذه المتفجرات والمستودع المخزن بها، والباخرة التي نقلتها إلى بيروت لا علاقة له أو لحزبه بها في قليل أو كثير في بعيد أو قريب، مع أن الاتهامات في أغلبها تحوم حول الحزب وحوله شخصياً بأن هذه المواد تعود ملكيتها لهم، وأن جزءاً كبيراً من هذه المواد تم تفريغها إلى جهة أخرى داخل لبنان وإلا لكانت حولت لبنان ومَن عليها إلى أرض محروقة وساوتها بالأرض.
* *
نعم، هناك فساد، وهناك إهمال، وهناك مسؤولية يتحمّلها كثيرٌ من الوزراء والمسؤولين وحتى النواب والأحزاب، ولكن كل هذه ليست من حيث أهميتها ومسؤوليتها في حجم من استورد هذه المواد القاتلة، وخزّنها في الميناء منذ ست سنوات، وجعلها قنابل موقوتة للإضرار بلبنان واللبنانيين وغير اللبنانيين، وما زلنا في بداية تسرّب المعلومات عن هذه الجريمة ورموزها، وقد نرى في قادم الأيام في مواقع أخرى من لبنان ما هو مخبأ من أسلحة ومعدات ومواد بما يوازي أو يقترب مما رأيناه في جريمة الميناء.
* *
غير أن اكتشاف الحقائق، وكشف المستور، والوصول إلى هذه الأسرار لن يتحقق من خلال قضاء لبناني يتهمه اللبنانيون بأنه شريك بما آل إليه الوضع في البلاد من سوء وضياع وفساد منذ سنوات، وأن العدالة والانتقام للأبرياء وللدولة اللبنانية تقتضي إحالة ملف هذه الجريمة إلى قضاء دولي مستقل، لا يخاف ولا يجامل حزب الله ولا غيره ممن قد يكونون طرفاً في هذا الحادث المروّع.
* *
لاحظوا أن الرئيس اللبناني ورئيس الحكومة المستقيل ومثلهما رئيس مجلس النواب، بل وحتى الرئيس الفرنسي خلال زيارته للبنان لا يشيرون إلى حزب الله بالاسم ولو من باب الشك، مع أنه دولة داخل الدولة، ويملك ترسانة من الأسلحة، وله سوابق في إرهاب وقتل معارضيه من اللبنانيين، خاصة وأن التفكير ينصب حول اتهامه لدى غالبية الشعب اللبناني، غير أن الجميع يجبن عن الإفصاح، ويحذر من مطالبة القضاء بأن يضع هذا الحزب الإرهابي تحت طائلة الاتهام والشك والتقصي والمحاكمة قبل غيره ممن سموهم بالاسم.
* *
إن خروج رئيس الجمهورية برفض قيام لجنة دولية بتقصي الحقائق، ومحاكمة المتورّطين، ومن كانوا سبباً في الانفجار، والاعتماد على القضاء اللبناني، وأن ما عداه إنما هو برأيه مضيعة للوقت، إلى جانب تساؤل حسن نصر الله: كيف نقول عن الجيش إن انتماءه للجميع وموضع ثقة الجميع، ثم نخالف هذا الرأي بالدعوة إلى لجنة تحقيق دولية، وننزع هذه الثقة من الجيش اللبناني، وهو رأي ساذج، وكلام الغرض منه إبقاء المحاكمة ضمن الدائرة اللبنانية التي يسيطر عليها حزب الله بقوة السلاح، ومن ثم إخفاء معالم الجريمة وأسبابها ومن يقف وراءها.
* *
إسقاط الحكومة المتهمة بأنها حكومة حزب الله وقد تمت تحت ضغط الشارع بعد شهور من تشكيلها، لا يمثِّل شيئاً كبيرًا في معالجة الوضع المأساوي في لبنان، ما لم ينزع سلاح حزب الله، وأي سلاح آخر تمتلكه قوى أخرى خارج السلاح الشرعي، وتتحول الأحزاب كلها وبلا استثناء إلى أحزاب سياسية، لا سلاح بيدها، ولا قوة تمتلكها، ولا خوف منها، مثل كل الأحزاب في كل دول العالم، وبغير ذلك، فسيبقى لبنان على كف عفريت، ينتظر مواطنوه الموت بين يوم وآخر.
* *
على أن ما سبق لا يسقط أهمية وضرورة تنحي الرئيس ميشيل عون عن رئاسة لبنان، أو تنحيته إذا لم يستحب لإرادة الشعب، إذ إن لبنان خلال السنوات الأربع من حكمه شهد أسوأ فترة في تاريخه، وعانى من الفساد والفوضى وتدفق السلاح لحزب الله وازدياد النفوذ الإيراني ما لم يحدث في فترة سابقة لأي رئيس، وطالما أن تنحيته تلبي وتستجيب لصوت الشارع الهادر وحق المواطنين، فقد آن الأوان ليستقيل أو يُقال.