فهد عبدالله الغانم السبيعي
ما حدث لمدينة بيروت مؤخراً يفوق الخيال هي فاجعة أليمة ومحزنة لم تكن في الحسبان، دوي انفجار «مرفأ بيروت» أسمع بمن به صمم وأذهل من رآه ونظرا كل هذا بفعل 2750 طن من مادة (نترات الألومنيوم) الكيماوية التي انفجرت في ثوان معدودات قدرت قوته بـ 5ر4 درجات على مقياس ريختر، أدمى أجساد الكثير من اللبنانيين فخلف حسب آخر إحصائية لوزارة الصحة اللبنانية (220) قتيلا و(6000) مصاب و(العشرات) من المفقودين مع خسائر مادية بلغت مبدئياً (من ثلاثة إلى خمسة مليارات دولار) حسب تصريح محافظ بيروت لفرانس برس الذي قال أيضاً إن الانفجار ترك (300) ألف لبناني بلا مسكن.
وعدت الحكومة اللبنانية قبل استقالتها بكشف ملابسات الحادث ومحاسبة المقصرين المستهترين بأرواح الناس وجلبهم للعدالة القضائية، وهذا الوعد ليس الأول وليس الأخير بالطبع فتعددت الوعود في السابق ولكنها لم تف بها حتى أصبحت بالخاوية ولم تقدم شيئاً مقنعاً. لذا لابد من ظهور الحقيقة الدامغة والإعلان عنها بكل شفافية أمام الجميع وهو اختبار حقيقي لمدى قدرة الحكومة على الالتزام بها أمام شعبها والمجتمع الدولي.
لقد آن أوان الرحيل ودون رجعة بالنسبة لمن يعتبرون أنفسهم فوق سلطة القانون ويعتقدون أن لديهم سلطة قضائية لا يمكن بها ملاحقتهم أو حتى الإيقاع بهم.
كل هذا يأتي في ظل ثقة مفقودة وشرخ... ما بين الحكومة والشعب بكافة طبقاته مع وضع سياسي واقتصادي متداع كان يجب التعامل معها بحذر. لبنان بالطبع في ظل هذه الأحداث هو ضحية لطبقة سياسية فاسدة ظلت تتمسك بمناصبها ولا ترغب بالتزحزح عنها. رغم الوضوح التام بمآلات الأوضاع فتم نهب مقدرات البلاد ومكتسباته طوال سنوات ماضية وبدون رحمة.
الوضع الحالي في لبنان يبدو مأساوياً ولا يمكن احتماله بتاتاً، بل إن حياة اللبنانيين لم تعد تهم بعض قادتهم السياسيين الذين باتوا يفضلون مصالحهم الخاصة وانتماءاتهم الحزبية على مصلحة وطنهم الجريح الذي أنهك اقتصادياً وزاد من صعوبته تداعيات الليرة اللبنانية أمام الدولار الأمريكي، وبلا شك كل ما حصل ويحصل هو سقوط ذريع للحكومة اللبنانية القائمة ودليل قاطع على فشل كافة الجهود إن وجدت تجاه معالجة الأوضاع والحيلولة دون تفاقمها. عندها دب اليأس في نفوس أبناء الشعب الصابر حتى وصل الحال إلى مطالبتهم برحيل الرموز السياسية وحتمية التغيير السياسي والاقتصادي بشكل عاجل.
لبنان منذ تأسيسه في عام 1920م مر بالعديد من الأحداث ذات الوزن الثقيل تحمل الشعب الجزء الأكبر من تبعاتها وقدم تضحيات لا يمكن الاستهانة بها أوالتقليل منها. وبالعودة إلى الوراء نجد أن خمسة عشر عاماً مضت عصفت فيها الحرب الأهلية بكل شيء وأكلت الأخضر واليابس، تلاها اندلاع حربين مع إسرائيل، ومن ثم رضخ لبنان للاحتلال السوري لمدة ثلاثين سنة. مروراً بالاغتيالات السياسية كان أبرزها اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق السيد رفيق الحريري عبر تفجير موكبه. تلاها العديد من الثورات والمظاهرات التي تخللتها احتجاجات غير مسبوقة من أجل الوضع الاقتصادي وشظف العيش. ثم أتى «كوفيد - 19» والذي زاد في الطين بله، وتسبب في خسائر اقتصادية جديدة. أما انفجار المرفأ فقد غير وجه بيروت تماماً.
إن القلق على مستقبل لبنان السياسي والاقتصادي له ما يبرره علاوة على أن هناك من ينخر في جسد الكيان اللبناني منذ سنوات تقوم به مليشيات حزب الله الموالي لإيران فلا يمكن في كل حادثة أو نبأ سيئ يحيق بلبنان إلا ويكون لهذا الحزب يد فيه بل تشير إليه أصابع الاتهام دوماً لتاريخه الأسود من حروب بالوكالة ومغامرات غير محسوبة وفساد تام من عمولات ورشا وصفقات مشبوهة والاتجار بالمخدرات مع اتباع سياسة الولي الفقيه في إيران. هنا لابد من تغيير هذا المسار عبر مزيد من الضغط الشعبي وشمولية المظاهرات السلمية في جميع المدن اللبنانية لتعرية الفاسدين ومن يقف وراءهم وإسقاط المتآمرين والخونة سريعاً حتى لا يصبح لبنان دولة فاشلة سوف يظل أمامها سنوات لكي تنهض من جديد لتضاهي الأمم المتقدمة. فحيرة اللبنانيين تجاه وضعهم المتردي يجب أن تتوقف عن مطاردتهم، وتكف عن إقلاق مضجعهم عبر تلبية مطالبهم المشروعة من قبل حكومة تتوافق مع تطلعاتهم.
لكن اللبنانيين بإيمانهم وقوة تلاحمهم هم حصان طراودة لوطنهم الكبير يراهن عليهم ويراهنون عليه وحبهم له وتفانيهم من أجله جعلهم يتجاوزون كل المصاعب والمحن بقوة وصلابة وآخرها حادثة المرفأ. لهم عشق لا يمكن وصفه فأي شعب هذا يتمتع بميزة قلما تجدها رغم كل شيء يأتي وقعه محزناً عليهم.
للسيدة فيروز صوت لبنان الحر رائعة وطنية يقول جزء منها:
(بحبك يا لبنان.. يا وطني بحبك.. بشمالك بجنوبك بسهلك بحبك).
ويقول الراحل ذو الصوت الجبلي وديع الصافي عن وطنه بلد الأرز: «لبنان يا قطعة سما عالأرض تاني ما ألها.. لوحات الله راسمها.. شطحات أحلى من الحلى»..
هذا هو جانب مشرق ومتلألئ من أبناء وطن ينظر إلى غد مشرق ودرب واعد مع تفاؤل خيّر.. تطوقه رائعة كروعة بيروت للشاعر عدي بن ربيعة (الزير سالم) جاء من بين سطورها قوله:
دع المقادير تجري في أعنتها..
ولا تبيتن إلا خالي البال..
ما بين غمضة عين وانتباهتها..
يغير اللهُ من حالٍ إلى حالِ..
خاتمة
(كلن يعني كلن وحزب الله منن).