د. محمد عبدالله العوين
وكأن كل دولة أوربية أوكل إليها العناية والاهتمام بمحمياتها الاستعمارية القديمة، ليس الاهتمام الذي يعين تلك الدول على التطور والنهوض؛ بل المحافظة على بقاء الغطاء الاستعماري والصلات اللغوية والثقافية والمرجعية التشاورية؛ كما يحدث مع مستعمرات فرنسا القديمة في أفريقيا، ويحدث الآن مع لبنان.
تحرص فرنسا على بقاء التعليم وكثير من مجالات الحياة العامة باللغة الفرنسية، وتشجع شعوب الدول المحتلة سابقاً على الابتعاث للتعلّم في فرنسا والعمل بها كالجزائر والمغرب وموريتانيا وتونس ولبنان، وغير العربية كالكونغو والجابون وساحل العاج والسنغال ومالي والنيجر وغيرها.
يمكن قراءة تعجّل ماكرون زيارته إلى لبنان في ذروة انفجار مرفأ بيروت من خلال الإيحاءات التاريخية التي يستمد منها سلطة وهمية؛ سلطة لغوية وثقافية وقيادية؛ وكأن الزمن لم يمر ولم تتغير الأحوال والخرائط ولم تتشكَّل أسباب وعوامل جديدة لاستقلال الشعوب التي كانت تحت وطأة ظروف سياسية قاهرة ومنعطفات حضارية هابطة، ولا شك أن لدى ماكرون توقاً إلى كرنفال إعلامي والظهور بمظهر القائد المصلح والدولة الحضارية المنقذة؛ ولكن ثمة ما يخفى مما هو مضمر خلف هذه العناوين المكشوفة التي لا تغيب عن اللبيب الفطن، وقد تكشف المضمر الخفي مما يمكن وصفه بـ«الدور المشبوه» لفرنسا لا في أزمة لبنان فحسب؛ بل في المنطقة العربية.
خشي ماكرون أن تشتد غضبة الشعب اللبناني وتتصاعد فينزل إلى الشوارع ويطالب بإسقاط الحكومة ورئيس الجمهورية ميشيل عون ورئيس البرلمان نبيه بري، وحل حزب الله ومحاكمة أمينه العام حسن نصر الله أو قتله، وقد تتحمَّل فرنسا غياب عون ونبيه بري؛ لكنها لن تتحمَّل أو تقبل حل حزب الله أو غياب وتصفية أمينه العام حسن نصر الله.
ولذا أسرع إلى المجيء إلى لبنان ثاني يوم بعد وقوع الكارثة محاولاً امتصاص غضب الشارع، ومبعداً التساؤلات عمَّن كان السبب في حدوث الانفجار الدموي المدمّر؛ وهو الحزب وأمينه العام.
وتجلّى ذلك في مطالبته الرئيس الأمريكي ترامب برفع العقوبات المفروضة على حزب الله وأمينه العام وقادته وعدم مطاردتهم أو محاكمتهم. وحين تبنى مبادرة جمع تبرعات المانحين من الدول الخمس عشرة أوحى للدول المتبرعة بأن الحادث قد يكون ناتجاً عن سوء إدارة، وأن الضرورة تفرض إعادة تشكيل الحكومة اللبنانية من جديد، وتعويض المتضرّرين، رغبةً منه في طي ملف الكارثة ومتجنباً محاسبة حزب الله أو حتى إدانته.
والسؤال: لمَ هذا الحرص غير الخفي من ماكرون على حماية الحزب الإرهابي وأمينه من حلّه وتفكيك ترسانته من الأسلحة وتحويله إلى حزب سياسي مدني؟!
والإجابة تكمن في سر استضافة فرنسا الإرهابي «الخميني» وحمايته فترة السبعينيات الميلادية من القرن الماضي بعد أن طرده صدام حسين، ثم المجيء به على طائرة فرنسية ليحكم إيران وينفذ المتفق عليه في خطة «الشرق الأوسط الجديد» الذي رسم حدوده الصهيوني الأمريكي «برنارد لويس» ولذلك يريد ماكرون بقاء حزب الله وحماية أمينه حسن نصر الله لينفذ ما أوكل إليه من مهمات قذرة في المنطقة.