د.م.علي بن محمد القحطاني
تجد الإنسانية نفسها مضطرة لإبرام صفقة قد يكون تنفيذ بنودها صعبًا في البداية، لكن مع التعايش السليم معها ووعي المجتمعات بأهميتها ستصبح جزءًا من روتينه اليومي وستخف آثارها بالتدريج وبالتعود.
أشرت في مقالات عدة سابقة وأكدت أهمية تكييف أنفسنا وتعليم أطفالنا الحرص على الالتزام بالإجراءات الوقائية، فقد نضطر للتعايش مع كورونا المستجد لفترة طويلة. وها هي منظمة الصحة العالمية ترجّح أن تكون جائحة كوفيد-19 «طويلة الأمد»، وذلك خلال اجتماع عقدته لتقييم الأوضاع الصحية بعد ستة أشهر من إعلان فيروس كورونا المستجد وباءً عالمياً. وحذّرت من «مخاطر تراخي الاستجابة في سياق من الضغوط الاجتماعية -الاقتصادية»، لذا فقد دعت لجنة الطوارئ التابعة لمنظمة الصحة العالمية إلى تزويد جميع البلدان بتوجيهات عملية حول كيفية الاستجابة للوباء.
ولصعوبة تحمل آثار الحجر على المجتمعات الإنسانية الاجتماعية بطبعها ومواجهة الحالات ورؤية أرقام الوفيات تتوالى يومًا بعد يوم كتساقط أوراق أشجار الخريف، وكذلك صعوبة تحمل الآثار الاجتماعية الناتجة عن طول فترة الحظرة ولاستحالة استمرارية الحظر لفترة طويلة لما سببه من تدهور الاقتصاد الدولي، فقد اتخذت معظم الدول قرار عودة الحياة ولكن بحذر مع استمرار تقييم ومراجعة الإجراءات لتحقيق التوازن الصعب بين العودة للحياة الطبيعية وبين الحد من عودة انتشار المرض فيما يشبه الكر والفر، ولسان حاله يقول ولو عدتم عدنا، فالعودة بحذر هو سلاحنا لتحقيق التعايش وتوازن المعادلة.
لذلك أصبح لزاماً على الإنسانية التعايش مع هذا الوباء كمرض، فكما تعود الإنسان التعايش مع كثير من الأمراض بحسن التعامل مع المرض وإعادة ترتيب عاداته وسلوكياته، فإن انتشار المرض في الغالب تحت السيطرة، فالعالم يشهد مرحلة جديدة وخطيرة، ونحن جزء من هذا العالم.
والأصل في الحلول من عند رب البشر وليس عند البشر ونحن في غفلة عنه برحمة رب العالمين، فهذا الوباء هو في حقيقته داهية ما لها من دون الله كاشفة بحيث يكشف الله تعالى عنا هذا الوباء ويرفعه الداء بدون آثار مفزعة ولا آلام موجعة وفي مدة يسيرة، أن يتم التعايش مع هذا المرض مهما كانت أسباب وقوع هذه الجائحة المحسوسة أو الملموسة فمن المؤكد أنه ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة.
إن الله سبحانه وتعالى سبب الأسباب وهيئها لتحدث هذه الجائحة، داؤنا الحقيقي في أنفسنا وفي خطئنا تجاه ربنا عز وجل: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (53 الأنفال)، لقد تمادت بنا الغفلة وعلينا العودة إلى الله سبحانه وتعالى وتصحيح الكثير من الأمور التي جرت على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع والدول، فقد تمادى الإنسان وبطر وعلينا التوبة والعودة إلى الله جل جلاله.
العودة للحياة الطبيعية قرار يترتب عليه اقتصاد الدول ولكنه ليس إعلان عن انتهاء كورونا.
العودة بحذر شعارنا.