ودعت محافظة الرس بعد مغرب يوم السبت 18/ 12/ 1441هـ رجلاً من أكرم رجالاتها، وابنًا من أبرِّ وأوفى أبنائها؛ إنه الشيخ محمد بن صالح الغفيلي- رحمه الله-، وأسكنه فسيح جناته، ودعته في جنازة مهيبة؛ اجتمع فيها محبوه، وبدعوات صادقة ودعوه، فقد كان أبو صالح لهم إما ابنًا بارًا، أو أبًا رحيمًا، أو أخًا وفيًا، أو صديقًا صفيًا، أو مربيًا كريمًا، أو ناصحًا مُحبًا، أو... أو... فتجد الكلمات عاجزة عن وصف شخصية هذا العلم البارز التي جمعت كل أنواع العلاقات وفنونها، فضلاً عن تَجمُّع محاسن ومآثر تكاد لا تجتمع في الرجل الواحد إلا نادرًا؛ فإذا أردت أن تقول فقل على سبيل المثال لا الحصر:
- هو المعلم الفاضل، والمربي الخلوق، والموجه الناصح المحب للآخرين، الحريص على نفعهم وتوجيههم، فقضى عقودًا كمعلم ثم مديرا لمرحلة عمرية شبابية هي من أدق المراحل؛ فاحتواهم فيها، وأرشدهم ووصل بهم لشاطئ الأمان فرأينا ثمرات يانعة على مر تلك العقود.
- هو الإداري المحنّك؛ فقد تولى إدارة التعليم في محافظتنا الغالية الرس عقدًا من الزمن حتى إذا قيل مدير التعليم تبادر إلى الذهن مباشرة اسم الفقيد- رحمه الله-؛ فبذل فيها وقته، وجهده، وذروة شبابه، اجتهد فيها بكل ما أوتي من قوة نزيهًا عفيفًا حريصًا على نفع الجميع. يصعب لمن تولى قيادة مثلها أو أقل منها، فيها مصالح لمجتمع مختلف الرغبات أن يرضي الجميع. فرضا الناس غاية لا تدرك.
- هو الخبير بالأنظمة العارف بها، والخبير بالبروتوكولات الحياتية، وأساليب وفنون التعامل مع الآخرين.
- هو الكريم المضياف؛ فلا يمكن أن يرى أحدًا إلا وبادره بضيافته، وإكرامه؛ فلا يمكن أن تتخلص من دعوته وإلحاح كرمه إلا بشق الأنفس، وبابه مفتوح للجميع بعد صلاة الجمعة أسبوعيًا، فيجتمع عنده محبوه، وزائروه؛ فيكرمهم بجلسته الرائعة، ووجهه البشوش، وحسن محياه، وفيض ترحيبه.
- هو العاشق المهيم في حب محافظة الرس؛ فقد نذر نفسه لخدمتها، والسعي في المطالبة بما تحتاجه من خدمات منذ شبابه، وبعد عضويته في لجنة الأهالي، وبعد أن أصبح رئيسًا لها فواصل سعيه في صمت وهدوء مراعيًا المصلحة والأنفع؛ فتحقق بفضل الله ثم سعيه واجتهاده وتكاتفه مع الغيورين من المسؤولين وأبناء المحافظة عدد كبير من الإنجازات والمشاريع؛ وقد يتغرَّب أحيانا الأيام والليالي متنقلاً بين الجهات والوزارات مطالبًا وساعيًا لخدمة الرس وأهلها.
- هو الاجتماعي الوَصُول؛ فما من مناسبة إلا وتجده مبادرًا ومشاركًا لجميع فئات المجتمع في أفراحهم، ومواسيًا ومسليًا لهم في أحزانهم.
- هو صاحب الوجاهة والمكانة؛ فله منزلة عند المسؤولين لما يرون من علو مكانته وسمو مرتبته.
- هو صاحب البشاشة وطلاقة الوجه مع مهابة وجلالة قدر، سبّاق لمن يلاقيه بالابتسامة والسؤال عنه وعن محبيه.
- هو صاحب الرأي والحنكة يستشار في أمور كثيرة فيجدون عنده الرأي السديد والعلم الرشيد.
- هو صاحب الخلق والديانة - نحسبه كذلك والله حسيبه - محب للخير وأهله باذلاً له.
- هو الأب الحاني، والأخ الصادق، والعم الشفيق، والخال القريب، والزميل الودود....
رحمك الله أبا صالح، وغفر لك، وأسكنك فسيح جناته، وغفر لك جميع زلاتك ورفع درجاتك، وسيبقى فقدك ثلمة لا تُسدّ؛ وعزاؤنا أن هذه هي حال الحياة الدنيا وأنك انتقلت منها إلى الحياة الآخرة بعمل طيب، وسيرة حسنة، وثناء جميل. وأنه كان آخر كلامك من الدنيا وحال احتضارك قول: (لا إلهَ إلَّا اللهُ)، كلمة التوحيد، وكلمة النجاة، من قالها مخلصاً نجا من النار، وفاز بالجنان. قال عليه الصلاة والسلام: “من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة”.
** **
د. ناصر محمد الصايغ - جامعة القصيم - الرس