م. خالد إبراهيم الحجي
إن جميع حالات التذمر والشكاوي والاحتجاج والتمرد الذي تنقله الفضائيات ووسائل الإعلام المختلفة عن المجتمعات العربية التي تحاول أن تطبّق الديمقراطية الغربية تعود أسبابه إلى الجشع والاستبداد والفساد والظلم الذي تغرق فيه هذه المجتمعات العربية، ولذلك أخذت الهوة والمسافة تزداد بعداً بينها وبين المجتمعات الغربية المتقدِّمة والمتطورة علمياً وصناعياً وتقنياً، والفجوة تزداد اتساعاً.. ففي الوقت الذي تتصارع فيه المجتمعات العربية الحالمة بالديمقراطية الغربية والربيع العربي، وتطحن بعضها بعضاً تحت شعار الحرية والخلاص من الجشع والاستبداد والفساد والظلم، تزداد المجتمعات الغربية تطوراً بسبب أدوات في منتهى القوة، وهي: الحوار والنشاط الفكري البناء والعلم؛ لأنه كما هو معلوم ومؤكد من واقع التاريخ المعاصر أن مجتمعات القهر والديكتاتورية مآلها إلى التفتت والانهيار مثل الشيوعية والفاشية والنازية، لأنها عدوة التحضّر والتقدم.. فبعد أن كانت الدول الغربية، خلال مراحل تطورها، تستولي على ثروات المجتمعات العربية الحالمة بالديمقراطية الغربية بقوة السلاح والاستعمار والاحتلال والسيطرة بالقوة، تقدمت وتطورت الدول الغربية علمياً واقتصادياً وعسكرياً فلم تعد في حاجة إلى الاستعمار أو الاحتلال والسيطرة للأسباب التالية:
(1): بدأت الدول الغربية تستغني عن ثروات هذه المجتمعات العربية الحالمة بالديمقراطية الغربية التي استعمرتها في السابق؛ لأن الدول الغربية استطاعت بالعلم والعمل والنشاط الدؤوب إيجاد الوسائل واختراع البدائل والحلول للتغلب على تحديات التنمية التي تواجهها.
(2): الوضع الراهن حَوَّل المجتمعات العربية الحالمة بالديمقراطية الغربية والدول النامية إلى مجتمعاتٍ مُستهلكةٍ غير منتجةٍ؛ وبذلك أصبحت تابعة للدول الغربية المتطورة من خلال حاجتها إلى منتجات العصر الحديث.
(3): الدول الغربية المتطورة أصبحت تغذي الفرقة والنزاع، وتذكي التطاحن والصراعات داخل المجتمعات العربية الحالمة بالديمقراطية الغربية، بالأفكار والسلاح، والمناورة بالمفاوضات التي لا تجدي نفعاً، والحلول السياسية، والكيل بمكيالين لتزيدها انحطاطاً وتخلفاً أو تفني بعضها بعضاً؛ لأن سياستهم الدائمة هي فرق تسد.. وفي الوقت الحاضر لم يعد لدى المجتمعات العربية الحالمة بالديمقراطية الغربية العذر المعهود الذي كانت تحتج به سابقاً، بأنها مغلوبة على أمرها؛ لأنها مستعمرة أو محتلة أو يسيطر عليها العدو، ويسلب مقدراتها وينهب ثرواتها، لأن الدول الغربية المتطورة تركتها، فلم تعد هناك فائدة منها سوى تسويق منتجاتها لسد حاجاتها الاستهلاكية التي فرضها الوضع الراهن.. ومن هذا المنظور فإن المستقبل للمجتمعات العربية الحالمة بالديمقراطية الغربية ليس وردياً كما نتخيل أن يكون عليه الربيع العربي، بل ينذر مستقبلها بمزيد من الانحطاط والتخلف - ما لم تغرق في حروب أهلية - لأنها مجتمعات سيرها الذاتية تؤكد أنها مجتمعات عاجزة عن الابتكار والاختراع وتحويل العلوم التي تتعلمها إلى تطبيقات عملية مفيدة..
إن المجتمعات العربية الحالمة بالديمقراطية الغربية لن تستطيع استنساخ أشكال الديمقراطية الغربية أو حتى تقليدها، ولن تستطيع تجاوز حالات الكسل الفكري والتخلّف العلمي في المستقبل المنظور لأنها أولاً: لم تدرك حتى الآن أن الربيع العربي في الشرق الأوسط فشل فشلاً ذريعاً.. ثانياً: اهتمامها الشديد والتركيز المطلق على الممارسات الديمقراطية اليومية بدلاً من تلافي أو علاج النتائج السلبية الطويلة الأجل؛ لذلك ستظل مجتمعاتٍ حالمةً جامدة في مكانها، ما لم ترب قادة المستقبل على الإدراك والوعي بكل المزالق والمخاطر المترتبة على استنساخ أو تقليد الديمقراطية الغربية، والاعتراف بأنها سبب الصراع والتناحر والتفكك والانقسام. كما يجب أن تدربهم على اختيار أفضل الأوضاع والخيارات المرتبطة بمختلف الطرق والأنظمة والشرائع التي ترتقي بالمجتمع.. ولا يمكن أن يستطيع أي مجتمع أن ينافس على أرض الواقع في ميدان الريادة العالمي وجل اهتمامه اليومي تقليد الديمقراطية الغربية ورفع شعاراتها.
الخلاصة:
إن مَثَلَ المجتمعات العربية التي تحاول أن تقلّد الديمقراطية الغربية كمثل الغراب الذي رأى الحمامة تمشي فأُعجبته، فحاول أن يقلِّدها؛ فانتهى به المآل إلى أن فقد الطريقة التي يمشي بها، والطريقة التي تمشي بها الحمامة.