محمد بن عبدالله آل شملان
رحل عن دنيانا: شيخنا محمد بن شجاع آل وثيلة.. بعد أن عاش حياة حافلة بجميل العبادة، وصدق الاستقامة، وإضاءة القيم، وصلاح السيرة والسريرة.
غاب عنّا.. وما أصعب هذه الحياة عندما تنكسف شموسها وتختفي أقمارها.
فقد كان الشيخ محمد بن شجاع آل وثيلة - رحمه الله - «شمساً» تنشر بياض التعبد، ونور التقوى. وكان «قمراً» ينثر الضياء في قلوب الورى، وأفئدة من يرجون وقفاته في المراجل والعلوم الغانمة.
عندما وصلتني عبر الهاتف الجوال رسالة عن رحيل الشيخ أبي شجاع، توقَّفت بين مشاعر الأمل والتأمّل.. لم أكد أصدق أن من كان في النبل الأخلاقي والعطاء التعبدي والسماحة قد رحل عن عالمنا، انتقل من ظاهر الأرض المعمورة إلى بطنها، جعل الله سبحانه وتعالى مثواه في الجنة.
محمد بن شجاع آل وثيلة.. أنموذج في حسن خلقه وتواضعه واستقامته وعقيدته الراسخة وقلبه المعلق بالمساجد وتبجيله للعلم والعلماء، وهذه التهاليل على قسمات وجهه، جعلها الله تعالى صحبته في جنته.
له أثر طيب، وسمعة حسنة، وجلساء كثر، لا يمر اسمه على مسمع إنسان عرفه، أو عاش معه، أو شاهده، إلا يتم الحديث عنه بأحسن الحديث والذكر، وقبل ذلك وبعده الأجر المُعطى من عند الله إن شاء الله تعالى، وقد صدق الرسول الكريم عليه أفضل صلوات وأزكى تسليم في الحديث الشريف: «يذهب حسن الخلق بخيري الدنيا والآخرة».
سار عن دنيانا أبو شجاع الشيخ الوقور، كم شعرنا بالحزن وأنت تودعنا، شيخاً فاضلاً، وإنساناً رقيقاً، ورجلاً زاهداً ورعاً، ومواطناً صالحاً.
ما أصعب الحياة وأقساها عندما يرحل عن فضاءاتها مثل هذا الراحل الغالي.. وما أصعب الحياة وأقساها أن تشاهد الثرى الذي غاب تحته الحبيب ولا تراه!
ولكن التعزية بمثل هذا الراحل هو في الحقيقة ما تركه من الذكر والذكرى، من العبادة والطاعة، وحسن الخلق، وطيب المعشر، ومحيا الوجه، أسكنه الله الجنة ورحمه برحمته.
طب حيّاً وميتاً.. يا من علّمتنا في حياتك أن نتعبد الله حق عبادته، وأن نزهد في هذه الحياة الدنيا، وعلّمتنا بعد رحيلك كيف يكون جميل الأثر وطيب الذكر وحسن القول وصادق الدعاء.
عزاؤنا أنك سافرت عنا وكلنا مسافرون، وكل نفس ذائقة الموت، وأنه لن يبقى سوى وجه ربنا، ذي الجلال والإكرام.
ولو لم يكن هذا اليقين العميق في قلوبنا لأصبحنا نستعيد فواجعنا، وتغزر الدموع من مآقينا على الذي غاب عن حياتنا؟
أبا شجاع.. كم من دعوة صادقة - إن شاء الله - سوف تلهج ألسنة الرجال الذين تعاملوا معك، وألفوك، وأحبوك، ومالت قلوبهم إليك!
وهذا - ورب كاتب هذه السطور - هو الفوز في هزيمة هذه الدنيا، وهو رذاذ المطر في قحط زمانها، وهو الرحيق الباقي في لهيب حرائقها.
طبت ـ يا أبا شجاع ـ حياً وميتاً، لقد كنت الناسك العابد حقاً، كنت ناشر أشرعة التذلل والخضوع لله سبحانه وتعالى بالأذان والصلاة والصيام والعمرة والحج وقراءة القرآن والدعاء والذكر في وديان نفوس الجميع.
غفر الله لك ورحمك، وتغمَّد روحك الطاهرة بالمغفرة، وأسأل الله تعالى أن يجزيك نظير إحسانك بالإحسان إن شاء الله تعالى، وأن يجعل ما قدمت خالصاً لوجهه الكريم، ويلهم أهلك الصبر والسلوان، ويجزل لهم الأجر.
هذا وتعازينا لأبنائه «شجاع» و»عبدالله» و»بادي» و»سعود»، وأسرته الكريمة، وأفرادهم.
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.