د.عوض بن خزيم الأسمري
الحمد لله الذي حكم فقضى، وله الحمد في الآخرة والأولى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وعلى آله وأزواجه وأصحابه ومَنْ اقتفى.
سيرُ الرجال الصالحين، ومواقفهم المباركة، ودعوتهم إلى الله بالتي هي أحسن، وذكرهم الجميل، وآثارهم الخالدة، وأعمالهم وجهودهم الميمونة في كل مناحي الحياة، وحاجات الناس ومعاشهم، وما يصلح شؤونهم، ويجمع شملهم؛ كل ذلك مما يخفف لوعة القلب عند فراق أولئك المباركين، والحزن لوداعهم..
أخو الفضل حيٌّ خالدٌ بعد موته
وأوصالُه تحت التراب رميمُ
نعم.. لقد ماتَ قوم وما ماتتْ فضائلُهم.
منهم فضيلة الشيخ الداعية المصلح المسدّد سعيد بن عوض آل ردّاد، الذي ودَّع دنياه الفانية، يوم الجمعة، السادس والعشرين من شهر ذي القعدة من هذا العام الحادي والأربعين بعد المائة الرابعة والألف من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم،.. ومع لوعة فراقه، وألم وداعه؛ لا نقول إلا ما يرضي ربّنا:
فلله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمّى.. اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيراً منها..
و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
ودعنا فضيلة الشيخ بعد عمر مبارك، يشهد له بخدمة دينه ووطنه وولاة أمره، وإخلاصه في مسؤوليته، قدّم -رحمه الله- أنموذجاً يُحتذى، ومثلاً يُتَأَسّى به في الخلق الحسن، والوقار والسَّماحة في القول والعمل، والسعي الحثيث لإصلاح ذات البين، ومحبّة سُبل الخير وفعله، وحرصه على الدعوة إلى الله، واغتنام المجالس والمناسبات والمحافل العامة والخاصة في الدعوة إليه سبحانه بالتي هي أحسن، واللّين واللطف، والتوجه الكريم بقول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم، بتلقائية ودون تكلف، مقصده بذلك التوجيه لاغتنام الحياة بالعمل الصالح، ومحاسن الأفعال والخلال.
لقد كان لي -شخصياً- شرفُ الجلوس معه كثيراً، ومشاركته الدعوة والحضور في كثير من المناسبات الاجتماعية والرسمية الخاصة والعامة، والاستماع إلى أحاديثه الدينية والتاريخية، ومواقفه وذكرياته الخاصة مع والدي (خزيم) وجدّي (علي بن سرور) -رحمهم الله جميعاً وجمعنا بهم في الفردوس الأعلى من الجنة، حدّثني فيها بقصص ومواقف عايشها معهم ظلّت محفورة في ذاكرته لا تُمحى، بعضها قيدتُهُ متفرّقاً حينما تُذَكِّرني به المواقف المشابهة أو الأحاديث الجانبية مع الإخوة وبعض القرابة، وكثيراً ما يردّد على سمعي حبه الشديد للوالد، ومكانته عنده، ودوره الكبير في حل بعض المعضلات التي مرَّت بهم آنذاك، كما رأيتُ ولمستُ منه المحبّة والتبجيل والتقدير، والدعاء الدائم والتشجيع منذ الصغر.
كانت له إحاطة وعناية فائقة بالتاريخ والأحداث والسِّير، وإسهامات محفوظة في هذا المجال، لا سيما ما يتعلّق بتاريخ رجال الحجر ومنطقة عسير بصفة عامة؛ وبللسمر على وجه الخصوص، كما رَصَدَ باطلاعه الواسع وبحثه الدقيق، وقراءاته التاريخية المتواصلة كثيراً من مراجع النَّسب لأعلام وفرسان وشعراء على امتداد عصورهم، منهم الشاعر الجاهلي المعروف الشنفرى الأزدي؛ صاحب لاميّة العرب، التي مطلعها:
أَقِيمُوا بَنِي أُمِّي صُدُورَ مَطِيِّكُمْ
فَإني إلى قَوم سِوَاكُم لَأَمْيَلُ
وهي من أجمل وأعذب الشعر العربي.. وقد جاء في بعض الآثار أنّ عمر بن الخطاب قال فيها: «علِّموا أولادكم لامية العرب، فإنها تعلمهم مكارم الأخلاق».
فكان لفضيلة الشيخ سعيد بن عوض بن ردّاد -رحمه الله- عناية ودراسة خاصة واختياراً متأنياً لمثل هذه الشخصيات العربية الفذّة، خُلُقاً وشعراً وموروثاً.
وقد سجّلت جائزة الأستاذ الدكتور عوض بن خزيم آل سرور بن مارد صفحةً من الفخر والشرف في تاريخها؛ حين كان الشيخ سعيد أحد الفائزين بها؛ نظراً لما قدّمه لوطنه ومنطقة عسير عامة وبللسمر خاصة من عطاء وبناء ومساهمات تُذكر فتُشكر.
وعزاؤنا في أبنائه البررة، مع سيرته وآثاره الحسنة، التي تشهد بحياة ملئت دعوة ومحبة وأعمالاً مباركة.
أحسن الله عزاء أبنائه وذويه ومحبيه..
وجبر مصابنا جميعاً بفراق ذلك الوجه المنير..
المخضّب بالوقار..
المُزيّن بالسُّنة..
المُحَلَّى بالهيبة..
وجعل ما استقبله خيراً مما استدبره.
اللهم اغفِرْ لفضيلة الشيخ سعيد وارفعْ درجتَه في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، وافسح له في قبره، ونور له فيه.
والحمد لله على قضاء ربنا وقدره.
و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }