فهد بن جليد
ميزان ومقياس التكريم في العالم العربي هل هو ملتصق بكلمة (رحمه الله)؟ وكأنَّ من شروط التكريم - غير المعلنة- غياب المُكرَّم، لا أعرف مجتمعاً تخصص في (تكريم الأموات) دون غيرهم مثل المجتمع العربي، فهل نحن لا نثق (بالأحياء) قبل الموت؟ أم أن (اللستة) العربية مليئة (بالأموات) رحمهم الله، هكذا لن يصل الدور (للمُبدع الحي) إلا وقد ودع الدنيا، من أشهر الكلمات التي قالها الفنان الراحل حسن حسني قبل وفاته (الحمد لله إن أنا اتكرمت وأنا لسه عايش.. عشان أفرح بالتكريم وأنا في وسط الناس)، حسني لا يتحدث عن نفسه بقدر ما يعكس حالة مجتمعية يشعر بها كل المبدعين الأحياء ممَّن يستحقون التكريم في مجتمعاتنا العربية، ولعلي كتبتُ هنا في 2014م عن حالة مُشابهة عندما تم تكريم الفنانة السعودية المُخضرمة (مريم الغامدي) في الكويت.
من أوصل المبدعين العرب الأحياء إلى هذه المرحلة من اليأس؟ وكيف يمكن تغيير لزمة الجحود والنكران هذه؟ هناك (المئات) ممَّن يستحقون التكريم الآن في مكاتبهم وبيوتهم وهم على رأس العمل قبل اعتزالهم أو رحيلهم، هل علينا انتظار أن يُغادرونا - بعد عمر طويل- حتى نتذكر أنَّهم يستحقون التكريم؟ لو أنَّ نصف ما يدفعه العرب على حفلات تكريم المبدعين (الأموات) ذهب لتكريم المبدعين (الأحياء) لربما تقدمنا أكثر، فالتكريم (قيمة إنسانية) تدل على وفاء الشعوب ورقيها، بدليل أن العالم المُتقدم منشغل بتكريم رواده ليشكلوا (نماذج وقدوات) لأجيال تقاسمهم حياة الإبداع، علمياً يُقال عندما تكرم (مبدعاً) تصنع في المجتمع مُبدعاً آخر، لأن التكريم حالة من (التحريض الإيجابي) على الإبداع والبذل والعطاء والتفاني.
يتداول الناس في إحدى المجتمعات العربية (طرفة شهيرة) بأنَّ أحد المُحالين (على المعاش) من المعروفين بنزاهتهم، تم تكريمه (بدرع خشبي)، وصفق له الحضور بحرارة، وتسابقوا لالتقاط الصور التذكارية معه، وبعد نهاية الحفل لم يجد المُحتفى به (أجرة التاكسي) ليعود إلى شقته، وعندها قال أحد الخبثاء (ليته كُرِّم بعد موته) أوفر له.
وعلى دروب الخير نلتقي.