فضل بن سعد البوعينين
لم يكن مفاجئًا ما كشفت عنه قناة «فوكس نيوز» الأميركية من أن الدوحة موَّلت تسليم أسلحة إلى ميليشيا حزب الله، فقد دأب النظام القطري على تمويل ودعم منظمات إرهابية مختلفة، ومنها، تنظيم القاعدة بتفرعاتها، وميليشيا الحوثي وداعش والنصرة والحشد الشعبي وحركة الشباب الصومالية، والميليشيات في ليبيا.
الأكيد أن أموال قطر القذرة لم تكن يوًما خافية على المجتمع الدولي وأجهزتهم الاستخباراتية، غير أن الصمت عنها كان لأهداف إستراتيجية صرفة، متوافقة مع مرحلة (الفوضى الخلاقة). برغم التسريبات الأخيرة إلا أن الملفات القطرية الممتلئة بقضايا تمويل ودعم الإرهاب ما زالت مغلقة ولم يحن وقت فتحها، وأحسب أن ملف «جيسون جي» الاستخباراتي الذي كشفت عنه قناة «فوكس نيوز» الأميركية لا يشكل إلا النذر اليسير من الملفات الاستخباراتية الثقيلة.
في العام 2017، أشار الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى انخراط قطر المكثف في دعم وتمويل الإرهاب، وقال إنها «كانت ممولة للإرهاب على مستوى عالٍ جداً». لم يُتبع «ترمب» ذلك التصريح الخطير بإجراءات استقصائية وقضائية لمحاسبة قطر عما ارتكبته من جرائم مالية كبرى، وما تسببت به من كوارث في سوريا وليبيا واليمن والعراق والصومال وغيرها من الدول. يبدو أن الحسابات السياسية والاقتصادية كانت أقوى في ذلك الوقت، وبدلاً من المواجهة، انحاز ترامب لسياسة المهادنة من أجل تحقيق أكبر قدر من المكاسب المالية والسياسية والاستخباراتية. ومع اشتداد المنافسة على الرئاسة الأميركية بدأت ملفات تمويل الإرهاب القطرية في التسرب من مصادر مختلفة.
لأكثر من عقدين، مارست قطر دور المصرف المتخصص في تمويل جماعات الإرهاب وعملياتهم القذرة، وفق إستراتيجية غربية وجهت لتفكيك الدول العربية ونشر الفوضى فيها.
قد يكون للمنافسة الرئاسية على البيت الأبيض دور مهم في تسريب بعض الملفات القطرية القذرة لعلاقتها المحتملة بقادة الحزب الديموقراطي، إضافة إلى تجاوز حزب الله، وقطر الخطوط الحمراء في أوربا، وربما تغير أدوات اللعبة الدولية.
أعتقد أن العلاقة الإستخباراتية بين الحزب الديموقراطي في مرحلة باراك أوباما، والنظام القطري، المنفذ لإستراتيجيته في المنطقة، هي المستهدف الرئيس من تسريبات فوكس نيوز. وإذا ما صح ذلك، فمن المتوقع الكشف عن مزيد من ملفات تمويل ودعم الإرهاب لإحداث التأثير الأكبر خلال الشهرين القادمين.
محاولة سفير قطر لدى بلجيكا وحلف شمال الأطلسي دفع رشوة لجيسون بمبلغ 750 ألف يورو من أجل إخفاء ملف تمويل قطر شراء أسلحة إلى ميليشيا حزب الله سيدفع دول الاتحاد الأوربي لمواجهة قطر وحزب الله علنا، والتحول عن سياسة الصمت والمهادنة التي انتهجوها من قبل.
ناتالي جوليه، عضو مجلس الشيوخ الفرنسي والمسؤولة عن لجنة متابعة الشبكات المتطرفة في أوروبا قدمت تقريراً لحلف شمال الأطلسي حول تمويل الإرهاب ذكرت فيه ما نصه: «يجب أن يكون لدينا سياسة أوروبية فيما يتعلق بقطر، وأن نكون حذرين بشكل خاص في تمويلها للإرهاب». كما طالبت بلجيكا بأن تقوم من خلال الاتحاد الأوروبي بالتحقيق في القضية وتجميد جميع الحسابات المصرفية القطرية.
يبدو أننا أمام تحول في الرؤية الغربية، ذات العلاقة بالمنطقة، وتعاملها مع ملفات تمويل الإرهاب، والدول المرتبطة بها، ما يُرجح بأن تغطية فوكس نيوز لتقرير «جيسون جي» الاستخباراتي؛ يأتي ضمن إستراتيجية جديدة ربما شكلت بداية المواجهة مع ممولي الإرهاب الدولي في المنطقة، وفي مقدمهم النظام القطري.