عبده الأسمري
في القرآن الكريم تظهر التجارب وتوصف المآرب في دروس وقصص تشكل دهرين أحدهما للثبات والآخر للتحول، فما بين استقرار في التعاطي مع المعطيات وقرار في اتخاذ النتائج وتطوير ملكات النفس للاستزادة بالخير تأتي المقارنات واضحة جلية في كل المعاني المستوحاة من عمق هذا الكتاب الإعجازي العظيم.. بلغة واضحة وبيقين مؤكد وبإعجاز مذهل وإنجاز منفرد..
مفهوم المقارنة.. أسلوب رباني رصد العديد من التداعيات والتجليات والنتائج بين «سطوة الشر» المؤقتة و«حظوة الحق» المستديمة وصولاً إلى توظيف مفهوم «الصبر» بتوجيه إلهي قويم أُثبت كفاءته وأحقيته ونصره في موازين الصراع بين قوى تتشبث بالإثم وجماعات تتمسك بالأمل متخذة من «اليقين» طوق نجاة ومن «الثبات» منطق حياة فتأتي «المصائر» في صورة مذهلة من خسارة «الطغيان» وانتصار «السلوان» في معادلة ربانية كانت وستظل سائرة بين البشر محكومة بقدر مكتوب ومشفوعة بعلم غيبي..
في كل الحياة تأتي المقارنات حاضرة في التعاملات وفي المعاملات ووسط النتاج سواء في سيرة العلم أو مسيرة العمل ويكون «الإنسان» أداة هذا القياس وسط اختلاف المقارنة البشرية التي قد تختل فيها الموازين ما بين واسطة أو ذاتية أو أنانية أو عدول عن الحق ولكن الحياة تسير، والعمر يمضي ليكون الزمن كفيلا بكشف «النتيجة» الخاطئة المستندة على مقارنة مجحفة.. ويأتي «الناس» كشهود عيان إن كانوا في محيط «الشفافية» أو أعيان للجحود إن ظلوا في دوائر «الضلال»وبأمثلة بسيطة هل يستوي «رجل أعمال» أنذر نفسه لخدمة وطنه وأمضى عمره وهو يملأ أرصدة الخير بالحسنى.. يواسي المكلوم ويعين المحتاج ويساعد الفقير ويطعم الجائع وبين آخر طارد «فلاشات» المناسبات وأمضى حياته في جمع الأموال وفي اقتناء السيارات الفارهة وفي السفريات ونسي «حظاً» مما ذكر به..وتناسى ما في ماله من حق «معلوم» للسائل والمحروم..
ولو قارنا بين القياديين فالفرق كبير بين قيادي يعمل وفق ما يتقاضاه من «مرتب شهري» و»مزايا سنوية» وبين آخر يعمل بمقتضى العطاء الوطني والسخاء الذاتي بعيداً عن المردود..
وهنالك فرق ومفارقة بين طبيب يتعامل معه المرضى إنسانيا وعينه على «ثواب» التعامل و»أجر» العون بعيدا عن تفاصيل «المال» وبين آخر يؤدي مهامه من باب «الروتين» ويعالج مرضاه من سبيل «الأجراء».
تتشكل المقارنة في حياتنا ليس على مستوى الأفراد فحسب ولكنها تتعلق حتى بالزمن والبشر أيضاً في محيط المجتمع فهل يستوى زمن مضى كان سكان المحيط الواحد في حي أو قرية كأسرة واحدة تحت عنوان «الإيثار» وفي ظل «التكافل» ووسط وشائج «التعاون» وزمن حالي تحولت فيه «الألفة» الاجتماعية إلى «أنفة شخصية» أدت إلى «انفصال» بائس بين شرائح البشر.. لتطغى «الذاتية» بوجهها المقيت لتكون «الحاضر الأكبر» الذي صنع «فجوات» الحذر وأوجد «فراغات» الحيطة وباعد بين التقارب وصعد من التباعد لنرى «طغيان» التعامل الإليكتروني و«طوفان» التواصل التقني مهيمناً على طريقة التعايش ومسيطرا على حقيقة العيش وسط امتلاء ذاكرة «المواقف» بسوءات وإساءات ظلت في دوائر «التحذير» الذي قلل من بشائر العطاءات وخفض من إيجابية التوقعات.
تسطو «المقارنة» على ذاكرتنا المثقلة بتباين في المؤشرات والمعطيات، فالأيام مختلفة والنوايا متبدلة والأنفس متغيرة..بعد أن غادر «الثبات» وجه «الحياة» الجميل الذي تعرض للتشويه بفعل «الإنسان» ذاته الذي كان وسيظل «المعيار» الأول لصناعة «الإثبات» على صوابه أو خطئه سواء في حق نفسه أو في حقوق الآخرين..فالعواقب تأتي في قلب الأحاديث وقالب الأحداث «موثقة» لا تتطلب البراهين ولا تستدعي الدلائل قد علم كل أناس مشربهم. وفهم كل قوم مأربهم..
في كل ميادين «المقارنة» يظهر «الفرق» بدرجات مختلفة على ميزان القياس السلوكي والمقياس الشخصي، فالحياة في تبدل قدري والإنسان وحده من يصنع لنفسه «استدامة» تعكس شخصيته حتى وإن تغير الحال وتبدل المصير ليبقى كل فعل أو قول منتم لصاحبه ومسجل له أو عليه سواء على مستوى النفس أو مع غيره.