د. محمد بن عبدالله آل عمرو
حتى كتابة هذا المقال قبل بداية العام الدراسي الجديد 1442هـ بأقل من أسبوعين لم تكن وزارة التعليم قد أعلنت عن كيفية عودة الطلاب إلى مدارسهم ما جعل أولياء الأمور في حيرة وقلق على مستقبل أولادهم، وكان معالي وزير التعليم قد التقى في الأسبوع الماضي بمديري التعليم ولكن الاجتماع لم يتطرق إلى كيفية عودة الطلاب إلى مدارسهم على وجه التحديد، ما إذا كانت بالطريقة التقليدية المباشرة في المدارس، أم بواسطة التعليم الإلكتروني، أم بالتعليم عن بعد، غير ما أشارت إليه بعض المصادر الإعلامية من مناقشة ترجيح الدراسة عن بعد.
وتقوم وزارات التعليم والصحة والاتصالات وتقنية المعلومات في ضوء التوجيه السامي بدراسة الاحتمالات الأكثر مناسبة لبداية العام الدراسي الجديد وهناك على الأقل ثلاث صيغ محتملة أولها: العودة التقليدية بالحضور اليومي إلى المدرسة، وهذا الخيار تكتنفه كثير من التحديات المتعلّقة بتطبيق الاحترازات الوقائية من انتشار الفايروس؛ وثانيها: التعليم عن بعد وهو (التعلم الذاتي) المعتمد على مصادر مختلفة قد تكون تقنية مسموعة أو مرئية، مسجلة مسبقاً أو تبث حيَّة على الهواء، أو قد تكون ورقية مصورة أو مطبوعة، وقد تكون خليطاً بين ذلك، من غير اتصال مباشر بالمعلمين؛ وثالثها التعليم الإلكتروني: وهو تعليم يعتمد على الإنترنت باستخدام تطبيقات إلكترونية توفر خاصية التفاعل المباشر بين المعلم وطلابه في الوقت ذاته مع تباعد المكان، ويساند التعليم الإلكتروني المعلم بمحتوى رقمي مرئي ومسموع حول موضوع الدرس الإلكتروني، وتتوفر به إمكانية اختبار مستوى تحصيل الطلاب وتقييم واجباتهم، وتسمح تطبيقات التعليم الإلكتروني بفتح فصول افتراضية لكل مقرر على مستوى إدارة التعليم أو على مستوى مكتب التعليم أو حتى على مستوى المدرسة، حيث يمكن لكل معلم أن يلتقي بطلابه في فصل افتراضي تفاعلي لا يميزه عن الفصل التقليدي غير عدم الاجتماع بالحضور المباشر.
وكانت الوزارة في الفصل الدراسي الثاني من العام الدراسي 1441هـ قد اضطرت إلى تعليق الدراسة في جميع المؤسسات التعليمية، وفق ما قضى به الأمر السامي الكريم في سياق الاحترازات المشددة من انتشار فيروس كورونا، حرصاً على سلامة الطلاب والمعلمين والإداريين، ولكنها استمرت في عرض الدروس وشرحها بطريقة التعليم عن بعد (التعلم الذاتي) من خلال منظومة التعليم الموحّدة وقنوات عين دروس، ورغم الجهود التي بذلها المختصون في الوزارة لسد الفراغ وتخفيف الأثر السلبي على مستوى التحصيل الدراسي للطلاب من خلال تلك القنوات، ورغم الجهود الكبيرة التي بذلها أولياء الأمور في المنازل لحفز أولادهم لمتابعة الدروس المبثوثة عبر القنوات التلفزيونية والإلكترونية، إلا أن مستوى تحصيلهم لا يكاد يذكر مقارنة بمستوى تحصيلهم من التدريس المباشر لعدة أسباب منها: عدم فاعلية التعليم عن بعد لافتقاره لخاصية التفاعل بين المعلم وطلابه، وافتقار بعض المعلمين الذين كلّفوا بتسجيل الدروس إلى كثير من مهارات التدريس، وضعف جودة التصوير والصوت والإضاءة والإخراج، وعدم قدرة بعض الأسر على توفير الأجهزة الإلكترونية لأولادهم، وكذلك صعوبة توفير شاشة تلفزيونية لكل طالب في البيت الواحد لمتابعة البث المباشر لقناة عين دروس.
وفي حال استبعاد عودة حضور الطلاب لمدارسهم، فإن التعليم الإلكتروني هو الخيار الأنسب لضمان جودة التعليم، وخاصة في المرحلتين المتوسطة والثانوية وربما الصفوف العليا من المرحلة الابتدائية، وهو خيار يتطلب توفر الإنترنت للطلاب بسرعات عالية أينما كانت منازلهم، وإرشاد أولياء الأمور بمتطلبات تلقي الدروس الافتراضية من حيث الأجهزة والتطبيقات الإلكترونية، والتصميم الملائم للغرف الافتراضية في البيوت عند تعدد الطلاب في البيت الواحد، وتقديم التسهيلات المالية للأسر المحتاجة لتوفير متطلبات التعليم الإلكتروني لأولادهم، كما يتطلب الأمر تدريب المعلمين على جودة تقديم التعليم الإلكتروني إلى طلابهم.
ونظراً لطبيعة طلاب الصفوف المبكرة من الناحية الفسيولوجية التي تتسم بزيادة النشاط الحركي وسرعة نمو الإدراك الحسي والنمو الجسدي والعقلي والنفسي واللغوي، وميلهم إلى التعلّم باللعب والمحاكاة والملاحظة والمشاهدة فإن الحضور التقليدي إلى المدرسة قد يكون هو الأنسب، مع اتخاذ كافة الاحترازات المشدّدة، وأن يخصص لكل طالب أربعة أمتار مربعة من مساحة الفصل، وفي حال عدم كفاية مباني المدارس الابتدائية لاستيعاب طلابها فتستغل مباني المدارس المتوسطة والثانوية لتحقيق التباعد الاجتماعي للطلاب.
خاتمة للشيخ يحيى الحكمي الفيفي:
سيجودُ ربي بالغِيَاثِ تكرّماً
وسيُعْقِبُ الداءَ الأليمَ دواءُ
وسيكشفُ الضُرَّ العظيمَ بنظرةٍ
وتَحِلُّ من بعدِ الضنى النعماءُ