م. بدر بن ناصر الحمدان
أن ترأس النادي الأكثر عراقة وشعبية في البلاد، وتحقق بطولة القارة الآسيوية من قلب الميدان في بداية الموسم، وتتوج زعيمًا لأسياد آسيا في نسختها الأخيرة، ثم تحسم ديربي العاصمة «الاستثنائي» بنتيجة تاريخية، وتتصدر الدوري بكل جدارة، وبفارق تسع نقاط صريحة، وفي طريقك لإحراز اللقب المحلي، وتحطيم الرقم الستين في قائمة رصيدك من البطولات، وفي النهاية تظهر ككل مرة بتصريح «واثق» و»هادئ» و»متزن»، لا يخرج عن تهنئتك لفريقك، ووعدك بمواصلة العمل، وتحقيق مزيد من النجاحات، مع تمنياتك لمنافسيك بأن يحالفهم الحظ في المرات القادمة، دون انفعال أو استسلام لنشوة الفوز وفرضية الانتقام، وبلا إساءة لأحد، أو إسقاطات على أندية أخرى، أو استخدام عبارات غير لائقة.. فأي رجل «واثق» أنت أيها الرئيس؟
الحديث هنا عن رئيس نادي الهلال السعودي الأستاذ القدير فهد بن سعد بن نافل، هذه الشخصية الرائعة التي قدمت نفسها كنموذج محتذى لما يجب أن يكون عليه المسؤول الرياضي المثالي، وما يفترض أن يظهر عليه رئيس النادي «القدوة» لشريحة كبيرة من الشباب الذين يتابعونه ويتأثرون به وبسلوكياته، يشهد على ذلك عمله الدؤوب وبصمت، وقيادته لناديه باحترافية كبيرة، واحترامه للجميع بعيدًا عن كل الممارسات «غير الأخلاقية».
الوسط الرياضي السعودي «شبه المبتذل» من قِبل فئة قليلة من المسؤولين والإعلاميين والمتابعين وأنصار الأندية بات بحاجة ملحة إلى مثل هذه التجربة العملية لرئيس نادي الهلال بهدف الارتقاء بذائقة المشهد الرياضي السعودي، وتهذيب البيئة الرياضية، وحصر المنافسة والإثارة في إطارها الأخلاقي الذي تحكمه مجموعة من المبادئ والقيم التي هي في النهاية انعكاس لتربية المجتمع بشكل عام؛ إذ لم يعد من المقبول أن يهدم التنافس في أروقة الرياضة ما تبنيه الأسرة ومؤسسات التربية والتعليم.
لقد بات من المخجل جدًّا أن يظهر أحد مسؤولي الأندية أو الإعلام، مهما كان انتماؤه وميوله، وينشر ثقافة «مبتذلة» لتأكيد تفوُّق ناديه، أو لتبرير إخفاقه، أو للتقليل من شأن منافسيه بهدف بناء وهجه الشخصي، وتوسيع دائرة متابعيه. والشواهد كثيرة لجميع الأندية بلا استثناء، ولا يمكننا تجاهل ما حدث ويحدث من مهاترات وتراشق قذر، وخروج عن سياق الأخلاق في المنصات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي، يعززه الدور الذي يمارسه البعض من «المنتفعين» لتغذية هذه الثقافة السلبية التي سيدفع ثمنها -بلا شك- جيل بأكمله في المستقبل.
ثقافة الهلال هي الأرضية التي انطلق منها رئيسه فهد بن نافل، وهي التي سوف تقود إلى عقلية رياضية جديدة، تجسد مبادئ المنافسة «العملية» المبنية على التركيز على المهام والمسؤوليات، وتحقيق البطولات، واحترام الآخرين، والنأي بالنفس عن كل ما يخدش الحياء الرياضي، وعدم الانقياد وراء أية معارك تقود إلى الوحل مهما كانت استفزازاتها.. ولسان الحال للمنافسين يقول: «لا ألتفت خلفي أبدًا؛ فما تجاوزته بقناعة لا يربكني ضجيجه».