سام الغُباري
عاد «خميني» إلى إيران مُبشرًا بـ»جمهورية» تتولى إزاحة نظام «الشاه»، فجلس على عرش الشاة وتكفل بقتل الجماهير وقال: إنها جمهورية!، في جنوب اليمن استولى شباب يساريون على السلطة في 1976م وقرروا تبني الاشتراكية دون أن يؤسسوا أولًا طبقة عُمالية، فأمموا ممتلكات الناس، صادروها لهم، فأصبحوا رأسماليين، ومنحوا الشعب الاشتراكية!
في أيام الإمامة المريرة على اليمن وصل يحيى حميد الدين «ثائرًا» بسيف المذهب الزيدي، ولما استوى على عرش صنعاء، نفى الزيدية وقرب إليه فقهاء السُنّة. الزيدية لن تناسبه لأنها تفتح الباب على مصراعيه لأسرع ثورة تطيح به من نظرائه العلويين الطامحين لموقعه، الزيدية تجيز ذلك بشدة وهو أمر لا يروق لمذاهب السنة التي تتحمل طاعة ولي الأمر رغبة في الاستقرار والأمن والحياة.
تناقضات الطبقة الحاكمة في «جمهوريات الموز العربية» إنها تبيع الشعار ولا تعمل به، التعريف الأول للجمهورية استنادها على حكم الجماهير، معمر القذافي أخذ الفكرة من طرفها، وحوّل بلده إلى جماهيرية، ظن أن تغيير الاسم كافيًا ليؤكد اهتمامه بالعمق الفلسفي للجمهورية، وزاد على ذلك بأن أصدر كتابًا صغيرًا أسماه «الكتاب الأخضر» ويبدو أنه اقتبس كثيرًا من أفكار فيلسوف ليبي غامض اسمه «الصادق النيهوم».
كان «النيهوم» من دُعاة عدم تأسيس الجيوش لأنها تتحول إلى أداة غاشمة في أيدي الطغاة، ومن هنا اقتبس «القذافي» فكرته، مؤسسًا لجماهيرية بلا جيش حقيقي، فيما كان هو الجمهور، وصوتهم ضد الحكومة!، وهو الرئيس وليس الرئيس، ليس مسؤولًا عن الفساد، لكن ثروات البلد كلها طوع أمره، كان نظامًا أشبه باللغز الذي لم يُحل حتى اللحظة !
نشرت «نيويورك تايمز» تقريرًا لافتًا قبل أيام، قالت: إن صراع الجمهوريات في العالم العربي من العراق إلى لبنان وسوريا واليمن، إنما هو صراع طبقات حاكمة، آخر شيء يمكن أن تهتم به هذه الطبقات هو المواطن الذي يمثل نواة الجمهور.
يبقى النظام مجرد وسيلة لبناء الدولة وحاجته الأساسية هو الإنسان، ولن يتم ذلك دون دستور يُحترم، وبناء مؤسسات واضحة المعالم، تمثل أركان الدولة، ويأتي دور الجمهور في البحث عن برنامج وطني ينال ثقتهم، ويحترم رأي الأغلبية، على أن تبقى الوظيفة العامة وخاصة صفة «رئيس سابق» مصانة من الانتقام ومعززة بالأمان معيشيًا واجتماعيًا.
بُنيت جمهورية أفلاطون برومانسية فاضلة، لم تلتفت إلى أن الشيطان ما يزال منظورًا إلى يوم القيامة، وكل ما تحتاجه حتى تتحقق أن يجد الجماهير رئيسًا يكون قادرًا، قادر على مقاومة إغراءات الجن والإنس في تكوين طبقة حاكمة تغويه عن وظيفته وتأكل بأصابعه لحوم الناخبين.
وإلى لقاء يتجدد