عمر إبراهيم الرشيد
ترى ما هي العلاقة بين علم وجراحة الأعصاب والعلاقات الجيوسياسية والدولية وسلوك الدول والمجتمعات؟ من المعلوم أن العلوم لم تكن منفصلة عن بعضها بهذه الحدة والتنوع والاختلاف كما هي اليوم، فالفلسفة هي أم العلوم إذ كانت تضم المعارف والعلوم الأساسية من طب وفلك ورياضيات، إلى جانب الأخلاق والقيم والنفس أو ما يسمى اليوم بعلم النفس والاجتماع. وفي السنوات الأخيرة أصبح هناك ميل لإعادة العلاقة بين العلوم ودمج بعض التخصصات أو ضمها لبعضها البعض، وبالأخص تلك التي لها أصل واحد. في النصف الثاني من التسعينيات الميلادية شرفت بالعمل في الترجمة الطبية في العيادة المتنقلة الخاصة بالملك فهد رحمه الله تعالى منتدباً من قبل مستشفى الملك فيصل التخصصي، وكان حينها الدكتور نايف الروضان ضمن الطاقم الطبي وقد بدأ صيته بالانتشار محلياً ودولياً. فكان أن حصل على زمالة كلية الطب في جامعة يال عام 1993، ثم من مستشفى ماساشوستس التابع لكلية طب جامعة هارفرد عام 1994 وذلك بتأسيس برامج ومختبرات خاصة لتقنيات جراحة الأعصاب وعلومها.
ويشكل عام 2002 انعطافة في مجالات أبحاث عالم الأعصاب السعودي نايف الروضان، إذ شرع بإجراء أبحاث ودراسات في العلاقات الجيوسياسية والدولية بتوظيف علم الأعصاب، موفراً نظريات تؤسس لهكذا فرع علمي لم يسبقه فيه أحد، وبعد أن نشرت أبحاثه تلك واشتهرت، انضم إلى مركز جنيف للسياسات الأمنية كمدير لبرنامج الآفاق المستقبلية والعلاقات الجيوسياسية عام 2006. بعدها بثلاث سنوات انضم إلى جامعة أكسفورد عضواً في كلية سانت أنطوني حيث أجرى دراسات وبحوثاً تتعلق بالتحولات التاريخية في العالمين العربي والإسلامي. واليوم يعد الدكتور نايف من أبرز العلماء في العالم في مجال العلاقات الجيوسياسية والدولية وارتباطها بعلم الأعصاب، إضافة إلى اختياره من بين 30 عالماً حول العالم في تخصصه وهو علم وجراحة الأعصاب. وقد ألف 21 كتاباً تضمنت العديد من النظريات والأفكار المبتكرة والرائدة في العلاقات الدولية والتاريخ والفلسفة. ومن أهم كتبه (الأنانية العاطفية اللا أخلاقية - Emotional Amoral Egoism) وكتاب (التاريخ المستدام وكرامة الانسان - Sustainable History and the Dignity of Man) وغيرها من الكتب التي ترك بها ولا يزال تأثيراً علمياً ومعرفياً على مستوى العالم في مزج علم الطب بالسياسة والتاريخ والعلاقات الدولية.
ليس هذا المقال الصغير بمقام حصر لسيرة هذا العالم السعودي الذي صنع الفارق، ولطالما نظرت المجتمعات ولا تزال إلى الطبيب على أنه حكيم، وهذا هو المسمى الشائع للطبيب في الشام ولبنان، إنما يثبت الدكتور نايف كما أثبت قبله العلماء الكبار في مجالاتهم، بأن العلوم تتكامل ولا تتنافر، فمن قال إن الهندسة أرقام وحسابات كمية جافة لا تتصل بعلم الاجتماع والتاريخ، والا أصبحت المباني، كما هو حاصل بكل أسف في كثير من نسقنا العمراني، إلى مجرد علب خرسانية صماء. نايف الروضان، عالم سعودي احتضنته أكبر مراكز الأبحاث في العالم، فمتى نراه ونظراءه من البارزين السعوديين علمياً وفكرياً في مراكز أبحاث لدينا؟ إلى اللقاء.