في وقتٍ لم يكن في بريدة مكاتب للشحن أو وكالات للسفر والسياحة غير مكتب وحيد للخطوط الجوّية السعودية - ظهر مجموعة من الرجال يمتهنون الدلالة على السفر البري بين مدن المملكة ومناطقها وبعض دول الخليج العربية، يطلق عليهم الأهالي لقب (الطراريب) أو الدلالين، وجاء لقب الطراريب من كونهم يُطربون من يسمعهم وهم يدّللون بترجيع حميل على سفرياتهم فيقولون مثلاً: الرياض الرياض... المدينة... حايل وهكذا.
لقد عرفتُ من الطراريب: عجلان السلوم، وعبدالله الحمر، ناصر الزعاق، وعبدالعزيز المطوّع. وقد اتخذوا من شرقي ميدان الجردة ببريدة مكاناً مطلاً على طريق الملك عبدالعزيز، وأقاموا به لهم مكاتب في الهواء الطلق، عبارة عن طاولات وعدد من الكراسي.
وتنطلق سيارات السفر من بريدة على فترتين الأولى في الصباح والأخرى بعد العصر، وتقوم بلدية بريدة (آنذاك) بتنظيم حركة ومواعيد السفر البري سواء منها سيارات الشحن أو سيارات الركاب، وكان والدي (في دكانه) يسلمني رسائل (ومكاتيب) لكي أعطيها الدلالين وهم بدورهم يعطونها أصحاب السيارات، كل إلى المدينة التي سيسافر إليها أما عن نوعية وموديلات سيارات الشحن وسيارات الركاب في ذلك الوقت فإن أغلبها من (الوانيتات) وسيارات الشيفرولية (8 راكب) موديلات الستينيات والسبعينيات الميلادية وأذكر أني قد ركبت سيارة (بيجو) مسافراً إلى الرياض كما يوجد بعض الحافلات الصغيرة (الباصات) ولكل سيارة مميزاتها وخصوصيتها وسائقها أيضاً.
وكان كل دلال يدّلل على سفرياته بواسطة ميكروفون يدوي (بوق) ليجذب أكبر عدد من المسافرين حيث يتم تسجيلهم بالسجلات المخصصة لذلك، وبالتالي تزداد نسبة الدخل اليومي لكل سفرية.
وللطراريب أساليب جاذبة أثناء تدليلهم على سفرياتهم وفي كل مدينة من مدن المملكة يوجد موقف (situation) تنتهي عنده الرحلات وينزل فيه الركاب ففي الرياض مثلاً موقف (الغرابي) وفي المدينة المنورة موقف (المناخة) وهكذا.
كانت تلكم لمحات مضيئة من الماضي القريب عن السفر والمسافرين من وإلى منطقة القصيم.