تتزايد حاجة الدول إلى الإعلام الفاعل في أوقات الأزمات والطوارئ، غير أن حاجتنا إليه في المملكة تبقى مطلبًا مُهمًّا وضروريًّا في مختلف الظروف والأحوال وهي حاجة أشد في وقت الطوارئ والأزمات لتحقيق المواجهة الإيجابية الفاعلة، وحتى يظل أداء إعلامنا السعودي في وضع أكثر تعبيرًا عن المكانة الراسخة للمملكة وواقعها المتميز المرموق، وطموحاتها التي تسعى لتحقيقها في مختلف المجالات عَبْر برامج يشهد القاصي والدَّاني بسموّ أهدافها وعلوّ طموحاتها. تلك الطموحات التي أكدتها وركزت عليها رؤية المملكة 2030 التي عبَّرت عن خصوصية الوطن، وعمَّا ينبغي أن يكون عليه ويتبوأه من مكانة في عالم اليوم والغد، فبلادنا - ولله الحمد - تتمتع بمميزات أكرمها الله بها، ففي أرضها المسجد الحرام في مكة المكرمة أطهر بقاع الأرض وهو قبلة المسلمين مهما اختلف موقعهم على سطح المعمورة، وعلى أرضه توجد البقاع المقدسة للحجاج والمعتمرين، كما تحتضن أرضه المسجد النبوي، وذلك كله مصدر اعتزازنا وفخرنا، ويُلقي علينا واجبات ومسؤوليات للقيام بشرف ما ترتَّب على هذه المِيزات الجليلة التي تنفرد بها المملكة عن غيرها من البلدان منذ فجر التاريخ الإسلامي.
وإذا ما وضعنا تلك الميزة التي تنفرد بها المملكة في الاعتبار ثم ما تنعم به من موارد النفط والطاقة وغيرها من موارد الطبيعة التي أفاء الله بها علينا، إضافةً إلى العمق الحضاري والتاريخي والموقع المتميز لأرضها الشاسعة، وما يتم تنفيذه من تنمية شاملة تستهدف الإنسان بالدرجة الأولى، إذا وضعنا كل ذلك في الاعتبار أدركنا لماذا نحن في حاجة إلى إعلام فاعل يكون على قَدْر المسؤولية التي تُدرك وتواجه التحديات وتتعامل بكفاءة عالية وإيجابية واعية مع التغيرات والأزمات.
أقول ذلك وأؤكده من واقع ما نعايشه من تطورات متلاحقة، وبرامج تنمية تغطي بلادنا في مختلف الحقول، وتصعد بها إلى مصافِّ الدول المتقدمة، وتقف بها على درجات المنافسة في عديد من المجالات بعد أن رسَّخت أقدامها وقطعت أشواطًا معروفة وذات آثار مشهودة في التنمية التعليمية والثقافية والصحية والعمرانية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها.
غير أن إعلامنا - وإنْ كان قد خَطَى خطوات متطورة - إلا أنه ما يزال في حاجة إلى تطوُّر حقيقي يتناسب مع حجم المهام والمسؤوليات التي تجعله وبحق إعلامًا سعوديًّا يضع في اعتباره حجم المملكة ومكانتها وتاريخها وثقافتها وحضارتها وواقعها وطموحاتها وما تواجهه من تحديات، وخاصة بعد أن أصبح الإعلام ذاته يواجه الكثير من التحديات التي تحدُّ من أدائه وتفرض عليه أن يطور من وسائله وأدواته في ظل الفضاء المفتوح وانتشار وسائط التواصل الاجتماعي التي لا تخفى تأثيراتها الاجتماعية والثقافية، كما ازدحم الفضاء بملايين الرسائل الإعلامية التي اختلط فيها الحق والباطل والصحيح والسقيم، فكان الله في عون الإعلام ومن يقومون على شأنه في هذه الظروف الصعبة.
أقول ذلك من واقع ما نعايشه ونتابعه في الساحة الإعلامية، واستنادًا إلى خبرتي العملية التي أحمد الله أنها امتدت سنوات عديدة، نِلْت فيها شرف ثقة ولاة الأمر بتكليفي بالعمل في مواقع المسؤولية سواء في وزارة التعليم (المعارف سابقًا) أو وزارة الثقافة والإعلام، وغيرها من مواقع تمثيل المملكة في بعض المنظمات الإقليمية والدولية ذات الصلة القوية بالتربية والثقافة والعلوم، وفي كل تلك المواقع ظهر جليًّا حجم المسؤوليات والمهام والوظائف المتعددة التي تقع على كاهل الإعلام. ومن واقع التجربة أرى لزامًا عليَّ القول إن التطلع إلى إعلام سعودي فاعل ومؤثر يظل طموحًا يراودنا، وإنَّ ذلك لا يتحقق إلا من خلال استراتيجية شاملة تدرس الواقع بمعطياته وإمكاناته، وتستشرف المستقبل بطموحاته وفرصه، وتترجم مسؤوليات أجهزة الإعلام السعودي وتحددها في إطار من تكامل المسؤوليات والتنسيق بينها وفق طبيعة تلك الأجهزة وخصائصها وإمكاناتها، حتى تعزف جميعها نغمة واحدة متجانسة، بحيث تتشارك معًا في تحقيق أهداف المنظومة الإعلامية السعودية الواحدة في جميع المجالات، حتى يؤدي الإعلام واجباته المطلوبة في الحج وتوعية الحجاج والمعتمرين، وفي ميدان الأمن والتوعية بالقضايا الأمنية ومواجهة ما يحيق بنا من مخاطر، وفي التربية والتعليم وما يرتبط بتهيئة البيئة التعليمية الحافزة على تحقيق طموحات التعليم في بلادنا، وفي الميدان الثقافي والتوعية بقضايا الثقافة السعودية وحضارات بلادنا العريقة والمحافظة على هويتنا الوطنية إلى جانب قضايا الثقافة المعاصرة. كما لا يخفى أن ميدان الأسرة والطفل ما يزال في حاجة لتكثيف الجهود الإعلامية لاستنهاض الأسرة للقيام بوظائفها التربوية، إضافةً إلى قضايا الشباب والرياضة وما يدور في ملاعبها وأجوائها من تجاوزات تبتعد أحيانًا عن المنافسات الشريفة، ناهيك عن المجال الصحي والإعلام المطلوب في ميادين الصحة المتعددة، وإذا وضعنا في الاعتبار قضايا السياحة الداخلية والاقتصاد والاستثمار، والصناعة والزراعة، والبناء والتعمير والرعاية الاجتماعية، وغير ذلك من المجالات التنموية التي تستهدف الإنسان في حاضره ومستقبله أدركنا لماذا نحن في حاجة إلى زيادة فاعلية إعلامنا السعودي.
وقبل ذلك وبعده فإننا في حاجة إلى إعلام يضع في خططه وحساباته أن يشارك ببرامجه المتعددة وأدواته الفاعلة في بناء العقول الفاهمة المدركة لواجباتها، والقادرة على تكوين الرأي الواعي المستنير الذي يقف في مواجهة الأخطار التي يخطط لها الحاقدون، وتفنيد السموم التي يروّج لها أعداء المملكة من خلال إعلام بغيض قد يقع فريسته ضحايا ممن لم يجدوا تحصينًا من إعلام قوي فاعل أو من أسرة اكتفت بتربية الأجسام وتقاعست عن تربية العقول والأَفهام.
إننا في حاجة إلى إعلام يشارك في أن يجعل بلادنا قادرة على تحقيق برامج التطوير والنهضة والتقدم وتحقيق المنافسة في هذا العهد الميمون الذي يقود سفينته خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين محمد بن سلمان يحفظهم الله.
وفَّق الله وطننا ليمتلك إعلامًا فاعلاً يكون على مستوى لائق يجعله جديرًا بأن يحمل اسم وطننا العزيز «المملكة العربية السعودية».
وفقنا الله جميعا لما يحبه ويرضاه.
** **
- وكيل الوزارة، بوزارة الثقافة والإعلام، سابقًا