د.عبدالعزيز العمر
انطلقت بداية طفولتي وبداية تعليمي من سكني في حي الشميسي، وهو أحد الأحياء القديمة في مدينة الرياض. وعندما بلغت السابعة من عمري سجلني والدي- رحمه الله- في مدرسة ابتدائية. وفي يومي الدراسي الأول واجهت الصدمة الأولى، فقد شعرت بكثير من التوتر والقلق وأنا أسمع اسم والدتي يتردد في المدرسة، تارة على ألسن المعلمين وتارة على حيطان المدرسة، باختصار كان اسم والدتي (حصة)، ولم أكن أعلم أن (حصة) في المدرسة تختلف عن (حصة) في بيتنا. أما الصدمة الثانية فكانت رسوبي في الصف الأول ابتدائي، وأجزم أن هذا الرسوب كان (جريمة تعليمية) ارتكبت بحقي وحق أمثالي، وتمضي السنوات لأواجه الرسوب مرة أخرى في الصف الخامس الابتدائي، لقد أصابني هذا الرسوب وأصاب والدتي بغم شديد، قرر جدي على أثره أن يصطحبني إلى بيت مدير مدرستي (الوهيبي - رحمه الله)، وفي بيت المدير لم تفلح كل محاولات جدي في إقناع المدير بتغيير النتيجة إلى (ناجح)، ومن الطرائف التي علقت بذاكرتي أن مدير مدرستنا كان هو الوحيد الذي لديه مفاتيح باب المدرسة، وكان يتأخر أحياناً في حضوره الصباحي إلى حد أن بعض الطلاب يقرر أحياناً العودة إلى منازلهم بعد طول انتظار لمجيء المدير، في الصباح كان المعلمون والطلاب ينتشرون أمام بوابة المدرسة ينتظرون قدوم المدير، وكنا عندما نلمح من بعد قدوم سيارة المدير (فرت أحمر نقل) يصيبنا شيء من الإحباط. وشاء الله أن أقابل هذا المدير بعد عودتي من الدراسة بالخارج وعملي مكلفاً في وزارة المعارف، حيث علمت أنه يعمل في إدارة المستودعات وذهبت إليه لمقابلته في مكتبه.
وفي نهاية صفي السادس أخبرتنا مدرستنا أن اختبارنا النهائي (له وزن كبير في النجاح) سيكون في مدرسة طارق بن زياد في حي عليشة، وحي عليشة في ذلك الوقت كان يعتبر حياً ارستقراطياً، ويعود سبب نقل مقر اختبارنا النهائي من مدرستنا إلى مدرسة في حي عليشه إلى تحاشي أن يقوم معلمو مدرستنا بتلقيننا بعض الإجابات. وكانت نتائج اختبارات الصف السادس في ذلك الوقت تعلن في الصحف وتبث عبر الإذاعة، وصدمت عندما لم يظهر اسمي في الصحيفة ضمن الناجحين، فقد رسبت في الهندسة لكنني نجحت في الدور الثاني.
وعندما أنهيت المرحلة الابتدائبة كان علي أن أبحث عن مدرسة متوسطة، وكانت أقرب متوسطة لبيتنا تقع غرب شارع العصارات، أخذني الخال عبدالعزيز (الذي عاد للتو من بعثة للمعهد الصناعي إلى إيطاليا برفقة زميله عبدالرحمن الراشد، معلق المصارعة المعروف -رحمه الله-، في هذه المدرسة المتوسطة لاحظت أن الطلاب (عيال نعمة)، يظهر عليهم جمال الهندام والقيافة، وكانت السيارات الفارهة تنتظرهم عند بوابة المدرسة بنهاية اليوم الدراسي، أما أنا فكنت أنتظر مغادرتهم لأركب دراجتي الهوائية عائداً إلى منزلي. وكان ممن درس معي في تلك المدرسة المتوسطة (العياف)، (المقرن)، (ابن دنان)، وزميل آخر يبدو أنه من أسرة عراقية معروفة (السعدون)، ودرس معي أيضاً الحكم عبدالله الناصر والحكم فلاج الشنار.
أما دراستي في المرحلة الثانوية فليس فيها من الذكريات ما يستحق الذكر سوى كيف وصلني خبر نجاحي من الصف الثالث ثانوي. في ذلك الوقت كانت أسماء الناجحين تعلن في التلفزيون، وكان الوالد يرفض إدخال التلفزيون في بيتنا، في تلك الليلة الصيفية (ليلة إعلان أسماء الناحجين في التلفزيون) كنت أنا ووالدتي- رحمها الله- في السطح نسترق السمع من تلفزيون جارنا، وعندما سمعت اسمي كدت أسقط على جيراننا من فوق الجدار الفاصل.وبعد تخرجي من الثانوية تم قبولي في بعثة إلى أمريكا لدراسة الهندسة، وتم إرسال جميع وثائقي الدراسية إلى الملحقية التعليمية، وأخذني الخال عبدالعزيز إلى شارع الثميري لتفصيل بدلتين (وكأنني ذاهب إلى أمريكا سفيراً أو ملحقاً تعليمياً)، شاء الله أن أتراجع عن قرار البعثة في اللحظات الأخيرة، وتلك قصة يطول شرحها. كان يجب أن أذكر لكم أنني كنت قد قدمت على البعثة بعد أن تجاوزت السنة الأولى بجامعة الرياض (سعود حالياً)، وعندما قررت العدول عن البعثة والعودة إلى كليتي، كانت كل شهاداتي لا تزال في الملحقية التعليمية، مما جعل من عودتي لكليتي أمراً صعباً، لكن كليتي قبلتني بعد أن تعهدت بإحضار الملف إليهم بعد وصوله من أمريكا.