محمد عبد الرزاق القشعمي
لقيت الأستاذ عبدالغني محمد يونس قستي في مكتبه المتواضع مشاركاً الدكتور عبدالله مناع غرفته الصغيرة بمطابع الأصفهاني بجدة. زرت جدة عام 1397هـ/ 1977م، ورغبت في الاتصال بالدكتور عبدالله مناع رئيس تحرير مجلة (اقرأ)، وكان معي الصديق أحمد المغلوث وهو في سبيل التسجيل بجامعة الملك عبد العزيز. كنت وقتها أعمل بمكتب رعاية الشباب بالأحساء، وبعد الحفل السنوي المسرحي لأندية المنطقة نشرت مجلة اقرأ خبرًا وصورة عنه، مما دعاني لزيارة المناع لشكره، الذي عرفني بدوره بالأستاذ القستي الذي يشغل وظيفة مدير تحرير جريدة البلاد. عرفت فيما بعد مكانة ودور عبد الغني قستي صحفياً وشاعراً. وكانت المميزة ضمن رواد صحافة الأفراد.
بعد نحو عشرين سنة، ومع بداية عملي الجديد بمكتبة الملك فهد الوطنية، وتولي تسجيل التاريخ الشفهي للمملكة، زرت جدة مرة أخرى للتسجيل مع عدد من الأدباء، فسألت عن القستي.. فبعد تقاعده وترك موقعه في الصحافة اختفى. عرفت من المناع عنوانه فهاتفته، وذكرته بلقائنا السابق، وبمهمتي الحالية، فرحب مشكوراً، ودعاني لمنزله بجدة، فوجدته يدير منجرة في الدور الأرضي للمنزل، فأخذني لمجلسه، وذلك بتاريخ 21/5/1418هـ. وعلى مدى ساعتين بدأ يروي تاريخ حياته الذي يهمني منه عمله في الصحافة، ودوره الثقافي، وتجربته مع الشعر. فقال إنه ولد بمكة المكرمة عام 1346هـ، ودرس في الكتاتيب، وحفظ بها القرآن الكريم، فأتم الدراسة الابتدائية بالمدرسة الصولتية بمكة المكرمة عام 1364هـ. وبدأ عمله موظفاً بأمانة العاصمة المقدسة إلا أن رغبته وحبه للصحافة قد نقلاه عام 1372هـ مصححاً بجريدة (البلاد السعودية). وفي عام 1374هـ عُين محرراً بها. وفي عام 1376هـ نجده يتولى الإشراف على زاوية (دنيا الطلبة) الأسبوعية من عددها 203، وكان ينشر بها مشاركة الشباب، وبالذات الطلبة منهم، شعراً ونثراً. وقد شارك في هذا العدد محمد سعيد الخالدي من طلبة المعهد العلمي بمكة، وعبد الكريم نيازي الطالب بالعزيزية الثانوية، وعبدالله عبد الرحمن جفري طالب بالرحمانية الثانوية. كما نجده يستحدث موضوع (استفتاء) حول العطلة الصيفية، وكيف نقضيها بما يفيد وينفع.
ترقى بعدها ليصبح سكرتيراً لتحرير الشؤون الداخلية في جريدة البلاد بعد ضم جريدتي البلاد السعودية وعرفات عام 1378هـ. ثم أصبح مديراً للتحرير من العدد 1001 بتاريخ 7/12/1381هـ.
وفي عهد المؤسسات الصحفية أصبح نائبًا لرئيس تحرير جريدة البلاد من عام 1384هـ، وقبل ذلك كلف برئاسة تحرير مجلة (الروضة) الخاصة بالأطفال التي أسسها ورأس تحريرها الشاعر طاهر زمخشري عام 1379هـ لبضعة أعداد.
تولى لفترات متقطعة تحرير مجلة اقرأ، وكان من أوائل محرري الصفحات الرياضية، وكتب في دوريات عدة، محلية ولبنانية.
من أشهر الزوايا التي كانت تنشر له في الصحف زاوية (لمسات) في جريدة البلاد.
عضو مؤسس في مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر، ولكنه تركها لاشتراكه في عضوية جريدة البلاد.
دخل الصحافة من باب الشعر (الحلمنتيشي)، ونشره في البلاد السعودية في عهد رئيسها عبدالله عريف.
وقد وجدت له قصيدة فكاهية في العدد 1147 اليوم الأحد 6/6/1371هـ الموافق 2/3/1952م بعنوان (الكناس) في زاوية دنيا الطلبة، والقصيدة الثانية (الناس أطوار) نختار منها قوله:
ما أكثر الأضداد في دنياك يا ابن ابي البشر
هذا له طبع الملوك، وذاك أشبه بالبقر
وهناك آخر غيره زين الملابس والحبر
فغدا يُشيحُ عن الورى عن الورى وجهاً تصلب كالحجر
وإزاء ذلك ربما تلقى أديباً محتقر
رث الثياب يزينه خلق كأنفاس الزهر
عبث الزمان به فراح يهش في وجه القدر
فالناس أطوار كما نطقت به بعض السور
ولذا أتوك على اختلاف في الطبائع والصور
وفي العدد 1917 ليوم الجمعة 23 ذي الحجة 1374هـ الموافق 12 أغسطس 1955م تنشر له قصيدة (عواقب الهجر..)، يقول فيها:
قل لمن لج في الصدود وظنا
أنني في هواه صب معنى
ليس لي أي مطمع فيه فليسـ
تشـر في الهجر كيف شاء وأنى؟!
فالعداوات قد تحول صداقا
ت وقد تصبح الصداقة ضغنا
فلكم دائر؛ ودرس قرأنا
ه بسفر الوجود منذ أن خلقنا
والليالي مسارح تتراءى
خلف شاشاتها العجائب فنا!
والتجاريب حينما حنكتني
لم تزدني إلا يقينا وأمنا!.. الخ
هذا، وقد نشرت له دار الكشاف ببيروت ديوان (أحزان قلب) عام 1374هـ 1955م.
- قال عنه صالح بن سعيد الزهراني في (قاموس الأدب والأدباء في المملكة العربية السعودية): «شاعر، وكاتب، وصحفي... وهو شاعر مبدع، لكنه مقل في الكتابة والنشر؛ فلا يعرف له سوى مجموعة شعرية واحدة هي: أحزان قلب. وشعر القستي شعر رفيع.. وشعره - في الجملة- من النمط الرفيع الذي يجسد لوعة المبدع وأحزانه، وبحثه الدؤوب عن الخروج من التيه. وهذا الشعور ولّد لديه عزلة. وأعتقد أن تجربة قستي من التجارب الشعرية المميزة في مشهدنا الأدبي، التي بحاجة إلى جمع إبداعها، ووضعها في مكانها الذي تستحقه».
- ترجم له علي جواد الطاهر في (معجم المطبوعات العربية في المملكة): ولد بمكة عام 1346هـ، تعلم بالمدرسة الصولتية، عمل موظفاً حكومياً، ثم انتقل إلى الصحافة في (البلاد السعودية) سنة 1374هـ. وهو الآن مدير تحرير جريدة البلاد - جدة، له.. مئات القصائد والمقالات منشورة في جريدة البلاد.
- وترجم له سمير مرتضى في (معجم الصحفيين في المملكة العربية السعودية) ج1، 2008م.
- وترجم له في (دليل الكتاب والكاتبات) جمعية الثقافة والفنون ط3، 1995م.
- وترجم له في (معجم الكتاب والمؤلفين في المملكة العربية السعودية) الدائرة بالأعلام، ط2، 1993م.
- وترجم له أحمد سعيد بن سلم في (موسوعة الأدباء والكتاب السعوديين خلال مائة عام) ط2، 1999م، وذكر أن من مؤلفاته إضافة لديوان أحزان قلب (قضايا معاصرة في الفن التشكيلي والفكر والاجتماع وعلم النفس) [مشترك] صدر عام 1406هـ، ويحتوي على 222 صفحة.
- قال عنه محمد باوزير بجريدة الرياض بعيد وفاته: «... عرفه النقاد شاعراً رومانسياً مجيداً، وإن كان شعره قد طبعه بطابع الحزن والأسى. وقد أودع حصيلته الشعرية ديوانه الوحيد (أحزان قلب). أما الذين عايشوا الراحل القستي فقد اتفقوا جميعاً على حبه للناس وللصحافة التي أخلص لها دون أن يبحث عن منصب فيها أو يقف تحت أضوائها؛ ذلك أن همه الوحيد هو نجاح الصحيفة فقط».
وقال عنه أسامة أحمد السباعي: يعد القستي أستاذاً من أساتذة الصحافة في بلادنا، بل حجراً من أحجارها، وتخرج من مدرسته الصحفية أساتذة كبار في عالم الصحافة، وقد عرف عنه الناس مدى تواضعه وهدوئه وصبره وجلده في عالم الصحافة، وهو رجل لا يأبه للمناصب الصحفية، ولم يسعَ إلى الأضواء بل كانت الصحافة عشقه الدائم.
وقال عنه محمد المنقري: شاعر من جيل الرواد، جنت عليه الصحافة؛ إذ تنقل بين صحافة الأفراد في (البلاد السعودية) مع الراحل عبدالله عريف، ثم حسن قزاز، ثم صحافة المؤسسات بجريدة (البلاد) مع عدد من رموز الفكر والأدب والرأي. وضمت الصحيفة صفحات منوعة شاملة، تدل على روح الإدارة التي تعمل عليها وتخطط لها، وكان القستي أحد أعمدة العمل.
قال عنه رئيس تحرير البلاد حسن عبد الحي قزاز الذي رحل قبله: أنا أرى أستاذي ومعلمي عبد الغني قستي رغم صمته كان أعلى طولاً وأقوى وقوفاً وأكثر صموداً أمام أحداث الصحافة وتغيراتها من كل المتحدثين.
قال عنه الشاعر والصحفي عبد العزيز الشريف: .. وإن فقده ليس خسارة على أهله وذويه بل على الحركة الصحفية. لقد جمعتني الصحافة بالراحل الكبير سنوات قليلة، وكنت ألمس منه حنواً على جيل الشباب، فطغت سمعته الطيبة على كل من عمل معه.. ولا يذكر منه إلا دماثة الخلف والتواضع.
وقال عنه عبد العزيز النهاري: ... وهو يعد بالنسبة لي مدرسة في الصحافة، وأستاذاً في الأدب والثقافة، وكذلك في الأخلاق. لم أسمع له صوتاً مرتفعاً أو تبرماً من عمل أو سخطاً على شيء، أو أنه قطع علاقته مع زميل.. وقد مات القستي ولم يأخذ حقه من التقدير من المجتمع أو الإعلام.. فتوارى عن الأنظار فنسيه الناس.. انتقل إلى رحمة الله في مدينة جدة سنة 1431هـ عن عمر يناهز 85 عاماً.