من عجائب البشر أن (الفطرة) تُغالبهم وإن أمسى للحياة المادية الصِرفة دورها الأجلّ أملي عن هذه الجزئية بعد اطلاعي على عدد «الجزيرة» ذي الرقم 17410 يوم الأحد وتحديداً في الصفحة الأخيرة خبرين يا للمفارقة.
ففي الأعلى لمن همُ بالأعلى: أمر الأمير الدكتور فيصل بن مشعل تسمية شارع ببريدة باسم رجل المكارم والإغداق - في العديد من وجوه الخير- «عبدالله العثيم» مشفّعاً الرغبة الكريمة نظير إسهاماته وأعماله الجليلة.. لخدمة المنطقة.. إنفاذاً لأمر - حفظه الله.
فيما تجد بأسفل ذات الصفحة لقطة لأسافلٍ.. قُبض على بضعة أشخاص حسب عنوان - الخبر- بوضع غير طبيعي (ربما جراء مشروب).
وهنا توقّفت مليّاً كيف (فطريّاً) يكرّم أهل الخير، وكيف.. يلقى قدر بعضهم حتفه لما: «يداه أوكتا وفوه.. نفخ»!
ولا عجب لأنك -أصلاً -كما يداخلك الفخار أن تجد نوعية سمت بحالها مقابل إما تجدك تشمئز لنوعية أودت بذاتها إلى مهاوي الردى وتدبر في تعبير القرآن بين الطائفتين، إذ بدّل بالسياق {أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ}، و{ومَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ}!
فكل يقدم حين يُثنى عليه ويسرع الخطى لاستلام جائزته، فيما لا يكاد يخطو من ينادى ليُعاقب أو أدنى.. أعني حال العتاب والأعجب في هذا موقف دولتنا وهي تطرّز لمن يستحق وتتلقاه بالنياشين، بين ذاك الذي في انتظاره ملامة الأمة.. قبل قيادتها التي لا شك تجازيه بما يستحق، وصدق الحق {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.
وعوداً على بدء لهذا المشهد الذي جُمع بصفحة واحدة كما تقدّم إيضاحاً..
لعله مشهد مقارب لذاك اليوم الذي وصفه القرآن (يوم التغابن).. كل لما أبلغه منزلة - علوّ..- في الآخرة.
في حين تنظر له هاهنا- في دُنيانا- لا غرابة أن تجده ما ينتظره الخلائق هناك بالأخرى! عسى هذه اللقطة تفيق فيستدرك المقصّر كما ولا يتثائب المثابر.
وهنا ملحظ جليل: كل أهل الجنة يدخلونها بـ(فضل) من ربهم عليهم وتتفاوت فيها منزلتهم، بـ(عدله) سبحانه وذلك حسب أعمالهم، وهذا في إشارة له آيات عدة، منها ( {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ}، {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ}، والعجب يا أحباب أنه حتى الصحابة رضي الله عنهم سبقوا فدخلوا بهذا التمايز، لما جاء في قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ} الآية، وهاكمُ حديث (من خاف أدلج، و من أدلج بلغ المنزل) ... إلخ، وادَّلَجَ القومُ: ساروا في أول الليل.، أو (ساروا الليلَ كله)..
الدُّلْجَةُ: السيرُ من أَول الليل.
والدُّلْجَةُ سيرُ اللَّيل كلّه، للحديث «عليكم بالدُّلجة فإن الأرض تُطوَى بالليل» صححه الألباني، وله طرق يتقوّى بها.
فالسرعة لأمور الآخرة مطلب لأن المرء لا يدري ما يستجدّ بعمره، فيما أمور الدنيا ليس على ما فات منها حسرة تستحق، وهنا أخبرت الآية {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} بلا تكلّف لما لم تبلغوه منها، فما على ما فات غبن!
من النصوص التي تندّ عن جمعها ملكتي..
ثم ان تسمّي إمارة القصيم أحد شوارعها باسم الحبيب إليه أعمال الخير فذاك بعض حقّه، فذا المال الكريم محمود عند ربه ممتلئة القلوب بحمده نال من الثناء ما كان له أهلاً لا زيف أو تزلّف، إذ حسبه أنه صنع ما صنع ولم ينتظر أو يستشرف ما أوتيه من تقدير، وهذا - لعمري- كاف أن يضاعف لصاحبه الشكر، ويتناهى أملاً لمحاكاة مكانته كل من لامست نخوة تجارته البذل، ودافعت شحّ ذاتها الضنينة بالمال لتهلكه..، أو تقضيه عليه لبدا، فعل من التلبُّد، وهو الكثير، بعضه على بعض، فيُقال منه: لبد بالأرض يَلْبُد: إذا لصق بها.
فهنا.. لا عجب أن يأخذني هذا الصنيع إلى الانتشاء بمثله والثناء عليه، فنحن أمّة الشكر على القليل قبل الكثير، ففي حديث حوى مضموناً جليلاً (لا يشكر الله من لا يشكر الناس) واف وكافٍ.
بدءاً بالخير الدنيوي وانتهاءً بما ينتظره من الأجر الأخروي، كما وهو - صاحبه- في منزلة التجاوز عمَّا سقط به من ضعف بشري يغشى الأنفس لا يسلم منه أحد فلا أحد كامل.. وهذا (التوقير) الذي ينتظره آت من نص (تجاوزوا عن ذنب السخي) الذي.. آتى المال على حبّه، فساد بصنيعه، وامتلك أعنّة القلوب.. فأمسى فيها كالمحبوب.. المرغوب ألفة المطلوب صحبة.