خالد بن حمد المالك
كان لبنان جنة الله في أرضه، فعلى صغر مساحته، كان غنيَّاً بخضرته، ومائه، وجَبَله، وسهله، وجوِّه، والخدمات المميزة في أسواقه، ومطاعمه، ومقاهيه، وترفيهه، والتآلف بين شرائح مجتمعه رغم تعدد مذاهب مواطنيه ودياناتهم.
* *
كان لبنان جوهرة الدول في المنطقة، متقدمًا في صحافته، ووسائل الإعلام الأخرى، يؤمُّه كلُّ من أراد أن يطبع كتابًا له، حيث المطابع الأكثر تميزًا، ودور النشر السبَّاقة إلى احتضان وتبني كل مثقف وموهوب، من شعراء، وروائيين، ومؤرخين، وسياسيين، ومثقفين في مختلف مشارب الثقافة.
* *
وكان لبنان يغني عن غيره لمن أراد أن يستمتع بسياحة نوعية، حيث طِيْب الأكل، ومذاق المشروب، وسهرات الليل، بمسرحياتها ودور السينما فيها، وحفلات الغناء لأشهَر المغنين والمغنيات من لبنان وغير لبنان، بما لا يجد السائح وقتًا بلا فرصة للاستمتاع بما يريده في هذا البلد الجميل.
* *
لكن لبنان تغيَّر كثيراً، أفسده بعض أهله، وتآمر عليه بعض من وُلدوا على أرضه، وتعلَّموا في مدارسه وجامعاته، واستقوا علومهم من أسبقية هذا البلد في إنشاء الجامعات، والمدارس المميزة، ومراكز العلوم والأبحاث والدراسات، دون أن يجدوا حرجًا في الإعلان بأصوات عالية، عن أن مرجعيتهم إيران، وأن ميزانيتهم تأتي من طهران، كما أعلن عن ذلك حسن نصر الله باسمه واسم حزب الله العميل لإيران.
* *
وبهذا التآمر الذي يتبناه حزب الله تحت غطاء أنه حزب مقاومة ضد أطماع إسرائيل، بينما هو من أعطى إسرائيل الحجة والمبرر والمشروعية لضرب لبنان، بهذا العبث الذي يمارسه هذا الحزب وأمينه العام، ليصل لبنان إلى ما وصل إليه، وينتهي به المطاف حتى هذه اللحظة إلى ما حدث من تفجير لمستودع خُزِّن فيه منذ ست سنوات من المواد الحارقة ما يكفي لتدمير كل لبنان وليس نصفه كما أُعلن عن ذلك.
* *
فلمَنْ تعود ملكية هذا المستودع، وما فيه من مواد خطيرة، ومن هي الجهة التي كان قد تم مصادرتها منه، ولماذا اختير لتخزينها مرفأ بيروت تحديدًا، ومَنْ كان يتستَّر عليها ويحمي بقاءها كل هذه المدة، وما علاقة ما جرى بما كان سيُعْلَن عن المدانين بمقتل رئيس لبنان الأسبق رفيق الحريري، ولماذا تجنَّب اللبنانيون في مواقع السلطة إعطاء أي تفاصيل عن مَنْ لهم علاقة بهذا المستودع، ومَنْ يكون المصدر قبل مصادرة ما فيه من مواد خطيرة.
* *
لبنان - باعتراف اللبنانيين - يُدَار بحكومة تمثل حزب الله وتأتمر بأمره، وبرئيس جمهورية ليس له ولا بيده إلا ما يمليه عليه صهره باسيل وأمين حزب الله حسن نصر الله، فكان أن ضاع لبنان، طالما أن هذا وضعه، دون أن يتحرك رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة إلى تفعيل دورهما استجابةً لإرادة المواطنين الذين تظاهروا أكثر من مرة ضد الفساد، وغياب الحلول للاقتصاد المنهار، ونزع السلاح من حزب الله، والمطالبة بعودة لبنان للحضن العربي بديلاً لإيران.
* *
ما حدث أول أمس في مرفأ لبنان يدمي القلب، ويهز المشاعر، ويضفي حزنًا لا ينتهي على ما آل إليه وضع لبنان من سوء، وانهيار الدولة بطرفة عين، دون أن يفكر الرئيس عون بتقديم استقالته، أو يخطر على بال رئيس الحكومة بالانسحاب وإعلان عجزه عن قيادة الحكومة، في ظل سيطرة حزب الله وحزب رئيس الجمهورية على كل القرارات المفصلية التي تتبناها الحكومة.