إيمان حمود الشمري
بعد خطوات كثيرة متعثرة للسينما السعودية حقق فيلم (وُلد ملكاً) ولادة حقيقية للسينما السعودية بعد تجارب عدة لصناعة الأفلام التي كانت مجرد حمل كاذب للحلم السعودي، إذ لم تنجب السينما السعودية فيلماً ينطبع بالذاكرة مثلما حدث مع فيلم (وُلد ملكاً).
يعتبر هذا الفيلم منتجًا سينمائيًا ضخمًا من إنتاج مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية وعلامة فارقة في تاريخ السينما السعودية، إذ توافرت فيه كل الإمكانات التي تجعل منه محطة انطلاق ونقطة تحول في صناعة السينما من حيث الإخراج والأداء والاهتمام بالتفاصيل، والدقة في تتبّع الأحداث التاريخية، والميزانية التي رصدت له، والقصة التي تركز على حقبة زمنية معينة من حياة الملك فيصل ساهمت في تأسيس المملكة، وبالرغم من ذلك لا يمكن اعتبار الفيلم أنه مجرد فيلم تاريخي، وإنما كان فيلماً تربوياً يشكل قيمة معنوية لرمز من رموز المملكة، حيث إن هذا الجيل يبدو مشوشاً في تحديد هويته، ويكاد يكون تائهاً في اختيار القدوة المناسبة التي يحتذي بها، وجاء هذا الفيلم ليعكس التاريخ بمشهد حقيقي من تاريخ ملك استطاع أن يمثل بلاده وهو صبي في الثالثة عشرة من عمره ويكون سبباً في تحسين العلاقات البريطانية السعودية رغم صغر سنه، وهذا الأمر ليس مستبعدًا على طريقة حياة البادية في ذلك الوقت الذي كان فيه تربية الولد تركز على الصفات والسلوك والشخصية التي تجعل منه قائداً مثلما تركز على العلم، إذ كان الصبي يعتمد عليه في ذلك الوقت بسن صغير باستقبال الضيوف والإشراف على ضيافتهم والجلوس مع الرجال وسماع أحاديثهم حتى يكتسب الطفل من صفات الرجولة وتتسع مداركه وطموحاته بمستوى الحديث الذي يسمعه، بينما الجيل الحالي الذي يقضي ثلاثة أرباع وقته أمام الشاشة للعب ولا يعتمد عليه بجلب ربطة خبز لأهله باعتباره صغيراً لا يفهم، في حين أن في زمن آخر وفي عصر آخر كان هناك صبي يدعى فيصل أُسندت له مهمة دبلوماسية لتمثيل بلاده في رحلة سفر بحرية استغرقت خمسة أشهر يدعى (فيصل بن عبدالعزيز) وُلد ليكون ملكاً.
تعتبر السينما أداة إعلامية مؤثرة تقدم مادة تنطبع بالذاكرة وتؤثر على السلوك وتحفزه، وقد يغير فيلم أو مشهد تمثيلي مسار أشخاص، وقد يغير حوار مكتوب بحرفية طريقة تفكير البعض، لذا كان هذا الفيلم مادة دسمة قُدِّمت بطريقة جذابة لتبدو سريعة الهضم للجيل الجديد الذي لا تستهويه القراءة كثيراً، إذ نحتاج لصناعة أفلام قيّمة تصنع أبطالاً ورجالاً يعتمد عليهم لا رجالاً وهميون يقبعون خلف الشاشات وأقصى أحلامهم امتلاك سيارات فارهة وممارسة هواية (التفحيط) للتباهي. نحن بحاجة لصناعة أفلام تحاكي تاريخ الدولة وشخصياتها بأسلوب عصري يتناسب وميول الجيل الجديد كالعرض السينمائي، علاوة على ذلك تعتبر صناعة السينما تجارة مربحة، إذ تصدر هذا الفيلم شباك التذاكر في صالات السينما بالسعودية والخليج بعد انطلاق عرضه بعدد يتجاوز 59 ألف مشاهد في الأسبوع الأول.
فيلم «ولد ملكاً» هو فيلم بالفعل وُلد ليكون ملكاً على عرش صناعة السينما السعودية، ويرضي الشغف السعودي في الدخول إلى المنافسة، إذ قدم لنا التاريخ بشكل جذاب دون أن يضطر لإقحام قصة حب أو مشاعر عاطفية لاستدراج المشاهد، فيلم صُنع بحرفية عالية تركز على الحوار والصورة والشخصيات، ويجعلك بمجرد خروجك من صالة العرض تذهب لتفتش في تاريخ الملك فيصل وتقرأ عنه.