د. عبدالرحمن الشلاش
فشلت كثير من نظريات الإدارة التقليدية وفي مقدمتها الإدارة العلمية في تحقيق معظم أهداف المجتمعات البشرية للتمتع بالمال والرخاء، والوفرة في الإنتاج والسبب أن فلسفة هذه النظريات كانت قائمة على النظر للموظف والعامل بأنه آلة صماء يعمل مثل الروبوتات الآلية، فلا يكل ولا يمل ولا يتوقف عن العمل في مقابل لا يوازي ما يقدم من عمل كبير، فلا راتب مناسب يسد احتياجاته ولا حوافز ولا أوقات للراحة ولا تعامل جيد على الأقل يخفف وطأة وثقل العمل.
تحت طائلة تلك النظريات المجحفة بحق الإنسان المخلوق من كمية هائلة من المشاعر والأحاسيس والرغبات والمحاصر بالاحتياجات اليومية والضرائب وغلاء المعيشة والالتزامات التي لا تنتهي، ظل هذا الإنسان البسيط المسكين يلهث طوال يومه كي يؤمن حياته وحياة من يعول وسط ظروف العمل السيئة بأجوائه المجحفة بحقه، حتى تنبه العلماء إلى وجود مشكلات لا بد من حلها بأسرع وقت لإنقاذ الإنتاج المتدهور والإنسان المترنح تحت ضغط الظروف الصعبة، فتوصلوا إلى أنه كي تحقق معدلات عالية في الإنتاج ورخاء ورفاه للمجتمعات لا بد من إعادة النظر في النظريات القديمة والاهتمام بالإنسان الذي هو أساس التنمية وركيزتها ومحورها، وهذا ما أدى بالفعل إلى ما نشاهد من نهضة شاملة في كثير من الدول، وحراك عملي من الجميع يتميز بالسلاسة والرشاقة والحيوية، وتبسيط الإجراءات وكثير من الابتكارات والاختراعات التي سهلت الحياة وجعلت الانسان بضغطة زر وهو جالس في بيته أو عمله يحصل على ما يريد.
هو الإنسان إذا أعطيته ولبيت احتياجاته أعطاك بسخاء. عندما يشعر بأنه يحصل على ما يلبي طموحاته وأمانيه وأحلامه يعطي بإخلاص. بقاء معادلة الإنسان والإنتاج ضرورة صحية لاستمرارية الحياة وللتقدم والازدهار, إما الإخلال بها والضغط مرة أخرى على الإنسان كما يحاول الاقتصاد الجديد توظيف الإنسان لصالحه فإن هذا سيحول الإنسان مرة أخرى إلى آلة يجرى طوال ليله ونهاره للحصول على المال وسط عالم مادي بحت لا يؤمن سوى بالقيم المال. يظل طوال وقته مشتت بين تأمين احتياجات حياته من مسكن وملبس وأكل وشرب وبين عمل شاق طويل يحتاج إلى صفاء ذهني وصحة نفسية وتركيز كي يعمل ويبدع.
الاقتصاد الجديد الذي يضغط على كل الدول خاصة النامية ومن في حكمها بحجة تنويع مصادر الدخل لم يضع في اعتباره أن كثيرًا من الإجراءات التي تطبق على حساب الإنسان قد تؤدي إلى عكس المعادلة رأسًا على عقب ليتحول هذا الإنسان إلى آلة تعمل بلا توقف من أجل تأمين الأموال الضرورية كي يعيش ويؤمن مستقبل أبنائه.