عبدالمحسن بن علي المطلق
في فراق «أبا نايف»، هو ذاك الذي قصده وصفًا (المعري..) بأني:
رأيتَ الوَفاءَ للصّاحِبِ الأوَّ
لِ مِنْ شيمَةِ الكَريمِ الجَوادِ
.. فهذه كليمات عساهن يقاربن حق فقيدنا، فتعدّ من شيمة من سطرها، ومن ثم بهذا الخيط أُتبع نشج على فراق نوع من الأحباب، ليس لواذ.. فما لائذ - خبر- رحيله، ولا خفي نبأ بينه عن أحد
فكيف وهي البينونة الكبرى.. أن لا لقاء إلا هناك.. آن/
انْتَهَى اليأسُ مِنهُ حين استشعَرَ الوَجْدُ
بأنْ..لا مَعادَ حتى (يوم المعادِ)
لأسدي بهذه الجزئية من أن لبعض القرابات من القدر ما يتحوّل معها وجه كبير من العشرة إلى منحى أجلّ، بالذات من تتقرّب بذاتها وخلوص ودّها، فتبلغ عما قريب نوعًا من الأخوّة، أو هي أدنى..
برحيل النسيب «محمد بن عبدالله الراشد التويجري».. تطوى صفحة من الحياة عزيزٌ عليَّ وعلى كل من حولهم عدم تمايز وقوعها بين صحائف الأيام!
أعني بأخذها قدرها لأنه بالفعل كان مقاربًا للقلب.. أكثر من قرب نسب فالألفة التي ضمتنا به ذات مدد إلى مُهج وألفته، وما كانت لتقايض به.. ولا عن مثله حولاً، فـ{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
رحل نعم، لكنه باق بيننا بما أودع من خلال، وروح ذات تأثيرٍ، وظلال.. على كل من حولها، فما نجد تعلو بالشفاه من ترديد (الحمد لله..) على ما قضى وقدر، و(الحمد لله) على ما أراد ودبّر.
ولا شك أن الموت لا تلفى من لا يتوجس منه، ألا يكفي أنه المحطة الأخيرة بالحياة، فالحياة محطات، قد تجد بين ما هو قاسٍ كالبين وراء تحصيل دنيا، فتلك على ثقلها تبلع..
قد كان كل حجابٍ دون رؤيتها
فما قنعت لها يا أرض بالحجبِ
أي من كان محجوبًا عن الأعين، لبعده عنك أو شطّت به نوى (طلبًا) لها.. تحصيلاً لمعاشها، فهي- مهما طالت غيبته - أهون بكثير وقعها على القلب.. من تلك التي نفضت يدك منه (انقطاع الرجاء بعودته)
جبر الله قلوبنا عليك يا الغالي «أبا نايف» وجعل مثواك عليين، فلقد كنت من لدني في عداد الفرائد ممن ألفت والقلائل ممن خالطت فأثمر ينع بذره بقلب ما كاد يتملى منك، وبعدُ لم يرتوي، ففقد الغالي الحبيب ذي الابتسامة التي لا تغيب لشيء عجيب.
فلله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا تسليمًا ورضًا {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}، وغفر الله للفقيد ورحمه وثبَّته بالقول الثابت، وأنزله منازل الأنبياء والشهداء والصالحين، فهو وكما نحسب (يرجى له خير)، كما وكان وقع المنون - من بعد ابتلاء بالمرض - بهذه الأيام المباركة.
وحقيقة أُبديها/ لأن كان الوداع (أيسر زاد) فإن أثقله في ميزان الميت والأكثر منه احتفاءً هو (الدعاء) له، لأنه جلّ نصيبه الذي لا يخفى منّا يرتضيه.
فاللهم اغفر له وارحمه وعافه واعفُ عنه وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.
اللهم وجازه بالحسنات إحسانًا وبالسيئات عفواً وغفرانًا، اللهم أجمعه ووالديه بالفردوس الأعلى من الجنة.
اللهم وانزل على قلب أختي (أم نايف) والأبناء السكينة والصبر والاحتساب واختم بأحسن الله عزاءنا جميعًا به وأخصّ زوجة أبي مقام الوالدة (أم بندر) أخته أختي حصة أم نايف وأبناءها وبناتها والعزاء موصولاً لإخواني هند وبندر وإبراهيم، بخاصة أسرته.