يشهد عالمنا اليوم حدثًا جللاً قد يهدد التعليم بأزمة هائلة، ربما كانت هي الأخطر في زماننا المعاصر.. فطبقًا للإحصائيات العالمية فإن جائحة فيروس كورونا (Covid-19) تسببت في انقطاع أكثر من 2.6 مليار طفل وشاب عن التعليم في 161 بلدًا، أي ما يقرب من 80 % من الطلاب الملتحقين بالمدارس على مستوى العالم. وجاء ذلك في وقت يعاني العالم فيه بالفعل من أزمة تعليمية عالمية!!
فهناك الكثير من الطلاب في المدارس لكنهم لا يتلقون فيها المهارات الأساسية التي يحتاجون إليها في الحياة العملية. ويُظهر مؤشر البنك الدولي عن (فقر التعلُّم) أو نسبة الطلاب الذين لا يستطيعون القراءة أو الفهم في سن العاشرة أن نسبة هؤلاء الأطفال قد بلغت في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل قبيل تفشي الفيروس (53 %)، وقد تفضي هذه الجائحة إلى ازدياد تلك النتيجة سوءًا إذا لم تكن هناك مبادرات وقائية وعلاجية..!! وبناء توجهات جديدة وفق رؤية مختلفة، وتسريع إيجاد حلول بديلة لكثير من النظم التقليدية.
صحيح أن وزارة التعليم في مملكتنا الغالية تعاملت مع أزمة كورونا أثناء موسم التعليم الماضي من خلال إجراءات احترازية عدة بعد ظهور الجائحة قبل أشهر عدة، منها تعليق الدراسة، وإبعاد الطلاب عن التجمعات المختلفة، والمحافظة على سلامة الجميع في مختلف المراحل التعليمية, إضافة إلى تفعيل منظومة (التعليم عن بُعد) على مستوى التعليم الأساسي وعبر المنصات الافتراضية الدراسية, وعدم إيقاف مسيرة التعليم، وهو ما حقق نتائج مهمة على صعيد إكمال المقررات للطلاب، وتفعيل المنصات الافتراضية.. ولكن ماذا عن استعداد الوزارة للعام الدراسي الجديد في ظل جائحة كورونا ورياحها الوبائية وإرهاصاتها؟!
في تصوري إن بعض المدارس تم استخدامها كمحاجر صحية (عزل) لعمال الشركات وغيرهم وهي - لا مناص - ما زالت تحتاج إلى تعقيم وتنظيف بعد خروجهم منها, إضافة إلى أن كثيرًا من المدارس المستأجرة غير ملائمة في أحوالها العادية، فكيف ستكون جاهزيتها لاستقبال الطلاب والطالبات مع أخذ التدابير الاحترازية كافة، كالبعد الاجتماعي أو الجسدي في فصل يضم (30-40) طالبًا في معظم المدارس؟ وبالنسبة للعودة للمدارس والنماذج التشغيلية المحتملة؛ إذ ركزت النماذج على نطاقات عدة بالتركيز على الوضع الصحي والكثافة الطلابية والموقع الجغرافي.. لكنها لم تراعِ المرحلة الدراسية؛ فكيف لطلاب المرحلة الابتدائية ورياض الأطفال أن يلتزموا بالإرشادات الوقائية مثل التباعد الجسدي ولبس الكمامات وغسل اليدين ونحو ذلك في ظل نقص المواد التعقيمية ومواد النظافة في أغلب المدارس؟!
وإذا حققنا التباعد الجسدي في الفصول الدراسية فكيف سيكون الحال في الساحات والمقاصف المدرسية والألعاب ودورات المياه (أكرمكم الله)..؟!! كيف للطالب أو الطالبة ارتداء كمامة طوال اليوم، وخصوصًا بعد أن أصبحنا نعرف مضار وأخطار ارتداء الكمامة لساعات طويلة خاصة للأطفال؟!!
أيضًا بالنسبة للطلاب بمدارس الدمج من ذوي الاحتياجات الخاصة، هل سيعودون لقاعة الدراسة بالرغم من ظروفهم الصحية؟ أم ماذا عن وضعهم لكون الأمر يبدو مختلفًا إلى حد كبير في الوقت الراهن في ظل الظروف الاستثنائية التي فرضها فيروس كورونا على الكثير من مجريات الأمور. ومع عودة الحياة تدريجيًّا فإن الجميع يتساءلون عن الشكل الذي سيكون عليه العام الدراسي الجديد (2020-2021)..!!
ثمة تساؤل آخر لوزارة التعليم عن مدى تحديث خطط الطوارئ، والعمل على نشر الوعي حول هذه الجائحة, والبدء في برامج التوعية التثقيفية والوقائية من الفيروس الجديد!
ولذلك من الأهمية بمكان إعادة دراسة الوضع دراسة شمولية وعميقة في قالبها العلمي، مع مراعاة أيام وعدد ساعات الحضور. يكفي حضور الطلاب ثلاثة أيام في الأسبوع، وتقليص الساعات للنصف، ويكون الحضور فقط مقتصرًا على مواد أساسية علمية، وباقي المواد تكون عن بُعد.
والأكيد أن الوزارة حريصة على دراسة جميع المقترحات الممكنة من أجل سلامة الطلاب والطالبات في العام الدراسي الجديد في خضم عدم وجود زمن محدد للقضاء على جائحة كورونا حتى اليوم..!!