سمر المقرن
إذا مسنا عارض من أجنة الأحزان بضياع صفقة أو عدم إنجاب أو ضيق في الرزق أو فقدان قريب أو حبيب أو حتى غريب نكن له بحار المودة أو لأي سبب آخر، علينا ألا نستدعي «رسل المرض والخوف» ذكريات الأحزان جميعها، فتنال من نياط قلوبنا لتحولها أطلالاً، وعلينا أن نقتلعها من أفئدتنا حتى لا تكبر في أعماقنا وتجري أنهاراً وتصير أشجاراً وتأبى ألا تفارقنا!
لماذا نترك باب الحزن موارباً؟ فتتسلل منه رياح القهر الصرصر العاتية والألم والدموع الغالية، فننكر ضوء شمس الأمل من رمد، وقد تدفع البعض باللجوء إلى مضادات الاكتئاب أو السقوط في بئر الإدمان السحيق الذي ليس له قرار إلا «الوهم» الذي يكبر وينمو سواداً ووجعاً. الحياة مستمرة ولن تتوقف بسبب عوارض الألم، إنما الحياة في داخل الإنسان المتألم هي من ستتوقف، لذا الوعي بالمشاعر في أن نلقي بأنفسنا في بحار الحزن قبل غرق سفينتنا ولو غرقنا فلنقاوم لنصل لشاطئ النجاة، ونعقد العزم على ألا نعود ليم الحزن مجدداً لنصنع دنيتنا الجميلة بدلاً من ضياع العمر في حزن ودموع. ولننظر إلى المستقبل ونغلق باب الهمّ نهائياً بالعزيمة والقوة والإصرار على إماتة الحزن بداخلنا واستبداله بفرحة وضحكة وراحة بال ومرحلة كمال لا نصل إليها إلا برضانا العميق. ولننظر إلى الجانب المضيء المشرق من أنهار حياتنا ولا نضيع ولو لحظة منها في حزن بغيض بالإنجاز والنجاح والإحسان للآخرين فيوجهون كلمة شكر تضيء شموع حياتنا التي ربما ننسى في غمرة الولوج في الأحزان كيف نوقدها، أو يدعون لنا بظهر الغيب دعوه تزهر حياتنا بالفرح والسرور.
ولا مانع أن نحزن «كطبيعة بشرية» قليلاً ثم نطلق طائر الغم في سماء العبرة والعظة والنسيان، فالحياة قصيرة لا يجب أن نضيع منها ولو يوماً واحداً هباءً منثورًا، بينما يمكن أن نقضيه في ترتيب أوراق حياتنا من جديد والتعلم من أخطائنا حتى لا نكررها. أما الحزن وكما يأكل الصدأ الحديد فإنه يلتهم الفؤاد فيصير نسياً منسياً، ويسكب دموعاً لو طال أمدها لمنعتنا من رؤية نجوم الليل أو شمس النهار وتحيل حياتنا لسواد حالك لا يبدده سهر الليالي ولا الضجر من القدر المكتوب، فهو نافذ لا محالة وليس أمامنا إلا الرضا به. كل المدن والأماكن والبلاد تتساوى أمامنا إذا دخلناها بتأشيرة حزن دامية تحول التبر إلى تراب وتسلمنا إلى كمد واكتئاب أشد وطأة على أنفسنا المتشحة بسواد الحزن.
ولنخلع ثوب الأحزان حتى تضع حرب الحزن الضارية الناشبة في نفوسنا أوزارها، ونترك هذه المشاعر تأخذ حقها في نفوسنا ولا تطول، فتطول المسافة بيننا وبين الحياة!