علي الخزيم
قبل دخول شهر ذي الحجة أو منتصف ما قبله يبدأ الترويج للأضاحي بأصنافها، لكن الضأن هو الأكثر ترويجاً وتداولاً عبر مقاطع مصورة تظهر مدى ارتفاع الأسعار وأنها بتصاعد قبل دخول عشر الحجة، ومن تتابع المقاطع وكثرة إعادة إرسالها عبر الأجهزة المحمولة تَبَيّن أنها في الأغلب مُتعمّدة بقصد الترويج والتأثير على الوعي المجتمعي بأن هذا واقع الحال فاستعدوا لدفع أعلى الأسعار لأضاحيكم، وتم تداول مقاطع بمناطق مختلفة يَظْهَر خلالها أشخاص بعينهم ثم يتبين أنهم هم أصحاب (الحلال) أي المواشي؛ وأنهم وأمثالهم يأتون بكل موسم بقصص تمثيلية توحي بقلة المعروض الجيّد وارتفاع أسعاره، وكل هذا تمهيدًا للأيام الحاسمة والفرص الواعدة التي ينتظرونها لجني الأرباح التي خططوا لها، المتاجرة بالأضاحي والمواشي مشروعة لا غبار عليها إنما الغبار يعتلى الأساليب والطرق المُتّبعة للترويج للبضاعة، وفي هذا خداع للبسطاء والعامة ممّن يُصدِّقون هذه الأقاويل الترويجية وهو نهج ينهى عنه الإسلام الحنيف.
فئة من المشترين يُصدّقون هذه القصص والأقاويل وهم في واقع حالهم غير قادرين على دفع مثل هذه المبالغ بالأرقام المعلنة عبر المقاطع وفي سوق الأغنام خلال موسم الأضاحي، ولأن عقولهم وقلوبهم قد تشبّعت سلفاً بمفاهيم تُقنِعهم بضرورة الأضحية وأنها واجبة على كل مسلم عاقل؛ نتيجة ما يسمعونه من تسجيلات ومقاطع لبعض المجتهدين يبالغون خلالها دون سند شرعي بالحث على تقديم الأضاحي وتضخيم الأقاويل بفضل الأضحية وأنها تعادل كذا وكذا من الحجج والعمرة، وكذلك الاعتقاد بأن الأضحية للميت - غير الوصية - سُنّة، حتى يظهر للسامعين من لهجتهم الصارمة بأن الأضاحي واجبة أو هكذا يفهم بعض البسطاء والعامة ومن ليس لديه اطلاع فقهي كافٍ، وإزاء ذلك يلجأ بعض هؤلاء للاقتراض والاستدانة لتوفير قيمة الأضحية، ويقال إن منهم من باعوا بعض حليّهم بخسارة للسبب ذاته، والبعض يرهق نفسه بالاستدانة لثمن الأضحية خشية من ألْسُن الأقارب والجيران والمحيطين به، لئلا يظهر أمامهم بأنه غير مقتدر أو خوفاً من اتهامه بالبخل، أو لمزه بدينه، رغم علمه أنها سُنّة.
ومن حكمة مشروعية الأضحية أنها صورة من صور شكر الله على نعمه المتعددة، وأنها وسيلة للتوسعة على النفس وأهل البيت وإكرام الجيران والأقارب والتصدق على الفقراء، ومما قرأت في مسألة حكم الأضحية وأنها غير واجبة ما يُفهم من حديث: (إذَا دَخَلَت الْعَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلا يَمَسّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا) فجمهور الفقهاء ذهبوا لعدم الوجوب، واستدلوا بقول المصطفى (وأراد أحدكم) ولو كانت الأضحية واجبةً لَاقْتَصَرَ على قوله: فَلا يَمَسّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا، كما استدلوا بأن أبا بكر وعمر وبعض الصحابة رضي الله عنهم كانوا لا يُضحُّون السنة والسنتين مخافة أن يُرى ذلك واجبًا.
ومن العجيب تداول مقطع مصور - لم يتأكد أنه بالداخل - يكشف أن خرافاً من فصيلة غير مرغوبة قد أُلبِسَت وبغش مُتقَن جلوداً لأصناف أفضل، ومن المُشين نشر مقاطع الاستهزاء والتشمّت بالأضحية وتركيب مشاهد عليها للاستظراف من صبية ومراهقين، ولعل هذه الملاحظات تكون حاضرة بالأذهان قابل الأعياد.