فضل بن سعد البوعينين
اختتم موسم الحج الاستثنائي بنجاح باهر للقائمين عليه، وللقيادة السعودية التي اتخذت قرار إقامة الشعيرة بأعداد محدودة لمنع تفشي وباء كورونا، ولحماية الحجاج وتمكينهم من أداء النسك. تحديات كبيرة سبقت موسم الحج الحالي، وفرضت إجراءات تحوطية وقرارات استثنائية قادت -بفضل الله- للحؤول دون انتشار العدوى بين الحجاج، واختتام الموسم دون تسجيل أي حالة إصابة بفيروس كورونا. المتابع لإجراءات الحج، وتنقل الحجاج بين المشاعر، وآلية تأديتهم النسك وفق انضباطية شديدة، ومسارات تحقق التباعد، يدرك حجم الجهد الذي يقوم به جيش من المجندين لخدمة ضيوف الرحمن، وفق خطة عليا يتم تنفيذها بعناية ودقة متناهية. محدودية عدد الحجاج الذي فرضته الظروف الاستثنائية لم يتسبب في خفض عدد المنخرطين في خدمتهم وتحقيق أمنهم وسلامتهم، فالتعامل مع موسم الحج أمر مستدام، تجند له الحكومة كامل طاقاتها لضمان نجاحه، وحماية الحجاج من أي مخاطر طارئة.
جهود المملكة الاستثنائية في موسم حج هذا العام كان حاضرًا وبقوة في وسائل الإعلام العربية والدولية، من خلال الأخبار والصور والفيديوهات المعبرة. أحسب أن صور الحرم المكي في حالتي طواف الإفاضة والوداع؛ بمسارات التباعد؛ من أكثر الصور تداولاً لجمالها، من حيث المضمون الروحاني، وانضباط الحجاج بخطط التفويج وأداء النسك. قامت وزارة الإعلام والمنصات التابعة لها بدور فاعل ومحوري في نقل أحداث الحج بالكلمة والصورة والفيديوهات الاحترافية، ومد جسور التواصل مع وسائل الإعلام الدولية.
المركز الإعلامي الافتراضي كان ضمن المنصات المهمة التي خلقتها الوزارة في حج هذا العام، لمعالجة تحدي الجائحة ومتطلبات التباعد، والاحتياطات الصحية. أسهم المركز بشكل فاعل في إيصال الرسالة الإعلامية عن كل ما يدور في المشاعر، وتغذية وسائل الإعلام بالمحتوى الجيد دون معوقات تذكر. برغم ارتباط المركز الافتراضي بالظروف الحالية وجائحة كورونا إلا أنه خلق فرصة مستقبلية لربط وسائل الإعلام الدولية، ومراسليها بمؤتمرات الحج الإعلامية التي قد يتعذر حضور غير المسلمين لها.
أجزم أن مركز التواصل الحكومي قام بدور مهم على محورين رئيسين، محور صناعة المحتوى المتميز بأنواعه المختلفة، ونشره والتواصل مع وسائل الإعلام الدولية، ومحور الرصد الأكثر أهمية لقياس الفاعلية وحجم الانتشار والتأثير الإعلامي. شكلت التقارير شبه اليومية مصدرًا مهمًا للإعلامين، وأحسب أنها كانت المصدر الأهم للمسؤولين والمهتمين في متابعة مجريات الحج من خلال العدسة الإعلامية الفاحصة.
صحف ووكالات أنباء عالمية تسابقت على نشر وبث صور الحج بشكل مكثف. لفت نظري نشر بعض الصحف العالمية صور الطواف في صفحاتها الأولى، أعتقد أن جمال تلك الصور واحترافيتها فرضتها على الصحف والوكالات العالمية التي كنا نعتقد أنها في منأى عن كل ما يهم المسلمين. يبدو أن ثقافة التواصل مع تلك الوسائل العالمية، واحترافية المحتوى هو ما يؤثر في النشر العالمي، وليس الأديولوجية التي تُعلق عليها الإخفاقات السابقة.
نجحت السعودية في التحدي الأكبر الذي واجه موسم حج هذا العام، وقدمت للعالم تجربة فريدة في إدارة الحشود خلال الأزمات، ومكنت الحجاج من إتمام نسكهم دون تعرض أي منهم للإصابة بفيروس كورونا، كما نجحت في نقل صورة الحج النقية للعالم أجمع. خبرات المملكة المتراكمة مكنتها من تحقيق النجاح، في أداء الشعيرة وحفظ النفس البشرية، وهو الهدف الأسمى الذي شدد عليه خادم الحرمين الشريفين في كلمته بمناسبة عيد الأضحى. نجاح باهر استحقت عليه المملكة إشادات الدول المنصفة، ومنظمة الصحة العالمية التي طالبت بالاستفادة من إجراءات التحوط والاحترازات الصحية التي حمت الحجاج- بفضل الله- من وباء كورونا.