أ.د.عثمان بن صالح العامر
من المفاهيم المحورية المتجذرة في جسد نسيج ثقافتنا المجتمعية المتولدة عن نصوص شريعتنا الخالدة مفهوم (الرحمة) الذي تجاوز في دلالته الظواهر ليصل إلى العمق، وتعدى دائرة الدنيا ليدخر الله سبحانه وتعالى 99 % في الآخرة، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (جعل الله الرحمة في مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءاً، وأنزل في الأرض جزءاً واحداً، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه) رواه البخاري. وفي رواية له: (إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة فأمسك عنده تسعاً وتسعين رحمة، وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة، فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة، ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار). ورواه مسلم بلفظ: (إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها، وأخر الله تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة). ولذلك لسنا بحاجة إلى قانون أرضي صاغه وسطر مضامينه ودبج مواده بنو البشر ليكون مرجعًا لنا في تحديد ماهية الرحمة ومواطنها في حياتنا الدنيوية، كما أننا لا ننتظر من غيرنا أن يعطينا منهجية الرحمة وكيفية تطبيقها حين تعاملنا مع بني آدم أو الحيوان والنبات وكذا الجماد التي تسبح الله ومنها أمم أمثالنا. لكن في المقابل لا بد أن يدرك هؤلاء الذين عابوا علينا (ذبح الأضاحي وإراقة الدماء يوم النحر) مستنين بأبينا إبراهيم عليه السلام ومقتفتين أثر نبينا محمد عليه الصلاة والسلام أن الله عز وجل جعل الله لهذا الكون قوانين وسننًا ومن بينها كما هو معلوم (قانون التسخير) الذي تكرر ذكره والتأكيد عليه في مواطن كثيرة في القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، ومن التسخير هذه الأنعام (الغنم والبقر والإبل) التي يضحى بها، وهو وحده سبحانه وتعالى في تشريعة المحفوظ من يعلم الرحمة حين الذبح لهذه المخلوقات وفي ذات الوقت السلامة للإنسان الذي سيأكل منها وهو ما اثبتته الأبحاث العلمية الموضوعية المتجردة المنصفة، خلاف الشنق أو الرمي بالرصاص أو الصعق بالكهرباء أو غير ذلك، وما أجمل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الإحسان على كل شيءٍ، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبْحة، ولْيُحِدّحدُكم شفرته، ولْيُرِحْ ذبيحته) رواه مسلم. فلا تعارض وتضاد بين الذبح حسب ما جاء في نصوص الشريعة الإسلامية لما أحل الله أكله من الحيوانات، ومفاهيم الرحمة والإحسان والشفقة التي نحن أهلها، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.